دولة بالتمديد

أيهما أصدق تعبيراً عن واقع الحال في بلد الثماني عشرة طائفة: دولة التمديد، أم دولة بالتمديد؟

غالب الظن أن الصفتين مجتمعتين تعبّران خير تعبير عن الوضع غير الطبيعي، وغير المقبول، الذي ينعم به لبنان منذ أن شبّ عن الطوق. لا بل منذ نعومة أظفاره… في انتظار بلوغه سن الرشد، وتقديم نفسه على أساس أنه وطن يتمتّع بكل الشروط والأسباب التي تجعله أهلاً لهذه “الشهادة”.

وهذه دولتي، فجيئوني بمثلها…

ثمة ما لا يمكن تبرئة “الطبقات” السياسية، بطوائفها وأحزابها وجيوشها ودويلاتها، من دم هذا الصدّيق. ومن تفريغ لبنان حتى من المضمون البدائي للدولة الموقّتة لغاية أو غايات في نفس أكثر من يعقوب… وإن يكن المايسترو واحداً.

هل من الضروري إعادة نشر التفاصيل والأفعال “الفاضلة” التي أوصلت البلد إلى هذا الدرك وهذه الهوة، وفرّغته من كل المؤسسات والسلطات والدوائر التي تتكوّن منها الدولة عادة، وعبْرها يستقيم الحكم وتستقرّ العدالة؟

القاصي قبل الداني يعلم أنّ الدولة اللبنانية موضوعة على الرفّ منذ أعوام. أما بالنسبة إلى مجلس النواب، فساحة النجمة تكاد تطلب الطلاق أو تلجأ إلى “الخلع”. ولا حاجة بنا إلى شرح حكاية حكومة تصريف الأعمال والحكومة المنتظرة المكلّف تأليفها الرئيس تمام سلام، ومنذ أربعة أشهر. والخير لقدّام.

الحكاية بمجملها لا تختلف عن حكاية ابريق الزيت: عندك “حزب الله” ودويلته المستقلّة عن الدولة الأم التي تكاد أن تصير هي الدويلة. يليها “التيار الوطني الحر” والجنرال ميشال عون وحاشيته ومطالبه وأحلامه.

ودائماً ضمن ما يسمّى 8 آذار، حيث ينضوي أيضاً الرئيس نبيه بري وحركة “أمل”. ثم الامتدادات القريبة والبعيدة المدى.

إلى ذلك، لا بدّ أن تكون هناك جبهة مضادة على نسق ضيعة جبال المجد وضيعة أهل القاطع، تحمل اسم 14 آذار ومشتقاتها، وتطلعاتها.

وهذا من بديهيات ما آلت إليه الصيغة والتركيبة. وما حل بالاتفاقات والمواثيق التي تفرّقت أيدي سبأ. وتمزّق “النموذج الفذ”.

الدولة في الوسط تماماً. تكاد تُعصر بين الجبهتين، وعلى طريقة عصر الزيتون في المكابس القديمة.

في ضوء هذا الواقع المرير والنادر المثال، حتى على المستوى الأفريقي، كان لا مفرّ من اللجوء إلى أسلوب التمديد لمنع الفراغ من الوصول إلى الحصن الأخير الذي يتكئ البلد عليه، وعلى صموده ووحدته، وعلى قيادته الحكيمة ورؤيتها الصالحة.

حسناً فعل الرئيس ميشال سليمان وسائر المراجع المعنيّة بالإصرار على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان، تحاشياً للفراغ، أو السقوط في فخ التفريغ.

وكلاهما أمرّ من العلقم!

السابق
الإخوان والسفارة السعودية!
التالي
قهوجي بعد التمديد: فخامة القائد