معضلة الولايات المتحدة في مصر

بعيدا عن طاولة المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية التي انطلقت في واشنطن، تقترب لحظة الحقيقة للدبلوماسية الامريكية في الشرق الاوسط.
والحديث عن طوفان العنف الذي يضرب مصر، والذي بدا بالانقلاب العسكري الذي أنهى عهد مرسي، واستمر مع موجة الاعتقال الشاملة التي نفذها النظام في قادة وناشطين من حركة الاخوان المسلمين. على خلفية هذه الزعزعات التي تصيب تلك التي كانت في مدة رئاسة مبارك مرساة الاستقرار الموالية للغرب المركزية في الشرق الاوسط العربي، تواجه ادارة اوباما الآن معضلة شديدة. ينبغي ان نتذكر من جهة ان مرسي وصل الى كرسي الرئاسة بعد انتخابات ضغطت الادارة الامريكية لاجرائها بعد ان تخلت عن حلفها الطويل مع مبارك. ويقتضي التقدير الاستراتيجي الواسع من جهة اخرى في ظاهر الامر ان ينفصل البيت الابيض من طرف واحد عن تراث الرئيس المعزول ايضا، لأن النظام العسكري الحالي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي سيعمق بحسب جميع الدلائل، الشراكة السياسية والامنية مع الغرب عامة ومع الولايات المتحدة خاصة.
إن الحديث عن قرار غير سهل، لأن السيسي لا يواصل فقط استعمال القوة مع خصومه السياسيين، ولم يحقق وعده بعد بالعمل على مصالحة وطنية والدفع قدما بمسار التحول الديمقراطي، بل ان القانون الامريكي هو بمثابة عبء مركزي لمسار التقارب بين واشنطن والنظام الجديد: لأنه يُحظر على الادارة الامريكية بحسب القانون ان تمنح مساعدات (عسكرية أو مدنية) لمن تولوا الحكم بانقلاب عسكري، ولا شك ان ما حدث في مصر في مطلع الشهر يلائم هذا التعريف، بيد انه يبدو الى الآن ان اوباما يفضل المصلحة القومية الامريكية على اعتبارات قيمية، لأنه في حين ترك اوباما في الماضي غير البعيد شريكه القديم مبارك بسبب طبيعة نظامه غير الديمقراطية بصورة سافرة (وبعد ان فقد تأييد الجمهور المصري) أصبح مستعدا الآن للاعراب عن نهج عمل بعيد سنوات ضوئية عن المبادئ الأساسية للديمقراطية الغربية.
لا اعتراض على ان سلوك نظام مرسي، ولا سيما في الاشهر الاخيرة من ولايته، كان استبداديا وغير ديمقراطي في جوهره، هذا الى مواقفه الدينية المعادية في أساسها للغرب، لكنه كان من وجهة نظر البيت الابيض، رغم كل شيء، نظاما تمثيليا انتُخب بحسب القانون ولهذا منحه تأييده.
وقد ظهرت الشهادة الأوضح على التحول الامريكي بالبهلوانية اللغوية التي استعانت بها الادارة الامريكية، حينما أعلنت في نهاية الاسبوع انها لا تنوي ان تُعرف الاحداث الاخيرة في مصر بأنها انقلاب عسكري. إن اوباما يأخذ في حسابه ايضا صلة السيسي بواشنطن والآثار الخطيرة المتوقعة من وقف مساعدة مصر.
ومن الجهة الاخرى ولإبراء الذمة في ما يتعلق بقيم الديمقراطية (التي تُنقض صبح مساء في مصر) استقر رأي الادارة الامريكية على تجميد نقل 4 طائرات اف 16 الى مصر. وعلى خلفية قرار عدم المس برزمة المساعدة العامة، لا يوجد في هذه الخطوة أكثر من ضربة خفيفة في جناح الطائرة، هذا مع المبالغة، وليس فيها ما يغير مسار تفكير اوباما ونشاطه الواقعي الأساسي في وادي النيل.

السابق
الإمام الخميني ويوم القدس العالمي
التالي
اوباما يقود المفاوضات من المقعد الخلفي