قهوجي: هكذا غطّوه إدارياً.. وكشفوه سياسياً

لم ينتظر العماد ميشال عون كي تنتهي مراسم «التمديد»، ليعلن «الحرب» على الصيغة الإدارية التي ستبقي العماد جان قهوجي في اليرزة. مشهدٌ مُبكرٌ، لكنه كان في الحسبان. لم يغب عن بال أحد… أو بالأحرى ترقبوه، كما حفروا له.
لكن ذلك لن يلغي الواقع القائم: التمديد «التقنيّ» لقائد الجيش جان قهوجي صار وراء المؤسسة العسكرية. حُسم الأمر بعد صولات وجولات الحوار، المباشر حيناً، وبالمواربة أحياناً. لن يغادر القائد مكتبه في اليرزة قبل الاطمئنان إلى أّن الفراغ لن يكون خليفته. هكذا تقاطعت مصالح الطبقة السياسية، عند نقطة التوافق على أن يحتفظ قهوجي بـ«نجومه» معلقة فوق كتفيه، ولو بخيط رفيع، إلى حين يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
مسار بدا مشبوهاً بأداء سالكيه. الكلّ في دائرة الاتهام بعرقلة التمديد «النظيف» لقائد الجيش، والمفترض أن يكون مذيلاً بتوقيع مجلس النواب، من خلال قانون واضح وصريح يعدّل سنّ التقاعد، ويحمي الرجل من «غدرات» الأيام المقبلة، التي قد تحمّل باتهامات مبطّنة، من نوع «غير دستورية» التدبير الإدراي الذي سيمدد ولاية قهوجي.
يعرف الرجل جيداً أنّ المسلك الوحيد الذي أبقي أمامه، ليس الأسلم، لأنه هشّ وقد يعرّض الموقع وشاغله للهزات السياسية، وسيسهل التصويب عليه بسهام «وهَنه القانوني»، وإن كان تطريزه سيتم على يد إبرة التوافق السياسي الذي سيحميه، إلى حين وقوع واحد من أعمدة الهيكل.
حتى اللحظة، تفيض الصالونات السياسية باتهامات «التورط» يكيلها الجالسون على كراسي المواقع المدنية، بحقّ بعضهم البعض، حول الجهة التي كدّست الدشم على طريق تحصين رأس المؤسسة العسكرية، ما بدا وكأنه «تواطؤ» مريب تقاطعت مصالح أصحابه عند نقطة واحدة: نعم لتمديد «أعرج». ولا لغطاء سميك يقي القيادة من عواصف السياسيين.
عند هذه الحافة، التقت الطبقة السياسية، كما تقول شخصية مستقلة من «14 آذار»، مفندة مواقف القوى اللبنانية، وحساباتها، على الشكل الآتي:
– ليس صحيحاً أنّ «حزب الله» يبصم على «بياض» على بقاء قهوجي في سدّة القيادة بموجب قانون يتيح له أن يكون أول المتأهلين إلى تصفيات الرئاسة الأولى.
أما الدليل على هذه القراءة، برأي راويها، فهو عند الرئيس نبيه بري. ثمة جنوح نحو التطرف لم يعهده الفريق الآذاري من جانب «أبو مصطفى». خلال الفترة السابقة كان رئيس المجلس يصرّ على شيء من الديبلوماسية العابرة للجبهات. بعض الثغرات ولو الضيقة، تنفع ولا تضرّ. وإذ بهذا النمط يختفي كلياً لمصلحة التشدّد والاصطفاف المسدود، بدليل ردّة فعله الحادة في أكثر من ملف.
كان بمقدور الرجل أن يعبّد طريق قائد الجيش من خلال تخفيف حمولة جدول أعمال الجلسة التشريعية كي يُحرج قوى «14 آذار»، ويأتي بهم إلى تحت قبّة البرلمان، أو أقله ترفيع بند تمديد سّن التقاعد إلى مرتبة أولى على سلّم جدول أعمال، وليس إحالته إلى المرتبة التاسعة، من دون تعقيد مشروعية الجلسة.
كان بمقدوره أن يلتزم بالتحذيرات التي كان يوزعها يمنة ويسرة على النواب، من مغبة الدخول في الفراغ، ومن خلال حثهم على إقرار قانون التمديد لمجلس النواب قبل 31 أيار، تاريخ انتهاء الدورة العادية.
مع أنّ المدافعين عن موقف بري لهم رأيهم المختلف، حيث يعتبرون أنّ رئيس المجلس يرفض المساومة حول قانونية الجلسة وحدودها، انطلاقاً من حرصه على صلاحيات رئيس مجلس النواب التي يمنع المساس بها تحت أي عنوان، حتى لو كان مصير قيادة الجيش على المحكّ.
حتى حجّة مطالبة بعض نواب «المستقبل» بضمّ اللواء أشرف ريفي إلى سلّة «التمديدين» لا تبرّر «ممانعة» بري. ذلك لأنّ الرجل يعرف جيداً أنّ ما أودعه سعد الحريري في أذنيه، من أن اللواء لا يرغب بالعودة إلى المديرية، واضح وصريح… مع العلم أنّ الرجل المنتقل من السلك العسكري إلى المدني تردّد في طلّته الإعلامية في إعلان ذلك صراحة، وفقاً لمقتضيات الاتفاق الهاتفي بين عين التينة وجدّة.
– ليس صحيحاً أنّ «تيار المستقبل» يهضم التمديد لقهوجي كـ«شربة مي». التحفظات بدأت تتكدس منذ حادثة الكويخات، وتشكو من الغموض في أداء القيادة وغياب الشفافية. ولهذا لم يتوان الكثير من النواب «الزرق» عن إعلان معارضتهم للتمديد و«على راس السطح»، لا سيما بعدما أعطاهم الرئيس بري ورقة الجلسة التشريعية المفتوحة.. فكانوا لها بالمرصاد. إلى حين حسمها سعد الحريري مجدداً لملصحة «التمديد التقني».
– حتى لمسيحيي 14 آذار حساباتهم الرئاسية التي تقيّد «شطحتهم» التأييدية لقائد الجيش، وتدفعهم للتعامل بحذر مع المسألة.
ولهذا تعتقد هذه الشخصية الآذارية أنّ كامل الطبقة السياسية تريد من قائد الجيش أن يلعب دوره الأمني، ولكن من دون أن يبلغ مرتبة المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية.
حتى اللحظة يكاد العماد قهوجي يكون من الشخصيات النادرة التي باستطاعتها أن تجذب ثلثيْ أعضاء مجلس النواب لتكوين نصاب قانوني رئياسي. فلا قطبا «8 آذار» ولا قطبا «14 آذار» أو مستقليها، بمقدورهم أن يفعلوها.
ولهذا كله، يريدونه قادراً على سدّ الفراغ الأمني بأقل كلفة ممكنة. يريدونه رهينة لتدبير إداري مكشوف سياسياً.. ومن بعدها لكل حادث حديث.

السابق
الانسحاب من أفغانستان أولاً… ثم سوريا
التالي
كاثرين آشتون في طريقها للقاء الرئيس المعزول محمد مرسي