الافراج عن السجناء قضية سياسية

إن الاختلاف في موضوع الافراج عن السجناء الفلسطينيين، الذي سبق تصويت الحكومة اليوم، كان في أساسه شعوريا وسياسيا. ويمكن ان ننسب اليه ايضا آثارا سياسية ذات معنى. لكن لم يوجد هنا جدل أمني حقيقي، لأنه حينما يكون جزء كبير من المفرج عنهم قد تجاوزوا سن الخمسين، يصعب أن نتخيل سيناريو يعود فيه شيوخ فتح هؤلاء الى نشاط ارهابي (وهؤلاء أصلا ليسوا أناسا اختصوا باطلاق قذائف صاروخية أو بتركيب شحنات ناسفة استُعملت في عمليات انتحارية؛ ففي الايام التي سبقت اوسلو، التي اعتُقلوا فيها لم تكن فتح تشتغل بعمليات من هذا النوع).
برز في مركز النقاش الذي تعدى الخطوط الحزبية سؤالان آخران، السؤال الاول هو هل تقدر حكومة هي يمينية في أساسها ـ ومشاركة يوجد مستقبل والحركة في الائتلاف لا تلغي هذا التعريف ـ على الافراج عن مخربين قتلة حينما لا يكون موضوعا في كفة الميزان مصير جندي اسرائيلي مختطف، بل تجديد التفاوض السياسي (الحالات السابقة التي أفرجت فيها حكومات برئاسة نتنياهو عن سارقي سيارات ورُماة حجارة ليست مصدرا لمقارنة مناسبة). والسؤال الثاني هو هل تقدر حكومة اليمين نفسها على التقدم ولو قليلا في الطريق السياسي مع الفلسطينيين، من دون ان تُنقض عُراها تحت العبء الايديولوجي الذي ينطوي عليه اجراء محادثات حقيقية لاعادة أجزاء من الضفة الغربية.
انتصر رئيس الوزراء نتنياهو في هذا الجدل لأنه أتاه من موقع قوة سياسية. لأن استطلاعات الرأي العام تشير الى تأييد متواصل للعودة الى التفاوض، خاصة حينما يجريه من لا يُتهم بتنازل مفرط مع الفلسطينيين. واستعان نتنياهو ايضا بالدعم الأمني من قبل وزير الدفاع يعلون، وبقدر ما ايضا من قبل ‘الشاباك’ والجيش الاسرائيلي اللذين مكّناه من اقناع أكثر الوزراء بأن الخطر الامني من الصفقة ضعيف.
وقامت في الخلفية ايضا التقديرات السياسية الخارجية، وهي الحاجة الى التهرب من اتهام امريكي بأن اسرائيل تُفشل المحادثات، والخشية من انفجار عنيف في الضفة اذا لم يُجدد التفاوض، وربما الأمل في ان يُسهل إظهار الرغبة الطيبة نحو الفلسطينيين التنسيق مع ادارة اوباما في مسألة علاج المشروع الذري الايراني.
اجتاز رئيس الوزراء نهر الروبيكون الحقيقي في ما يتعلق بالافراج عن مخربين قبل ذلك في صفقة شاليط في تشرين الاول/اكتوبر 2011 حينما أفرج عن مئات القتلة الذين يأتي من أكثرهم خطر جوهري. وقد اعتُقل 44 من المفرج عنهم في الصفقة في الضفة بشبهة أنهم عادوا الى نشاط ارهابي (في أدنى حد نسبيا في أكثره) أو نكثوا بشروط الافراج عنهم. وأهم من ذلك أن كثيرا من السجناء من حماس الذين انتقلوا الى قطاع غزة  أو طُردوا الى الخارج بطلب من اسرائيل، أصبحوا مشاركين في جهد العودة الى استعمال شبكات ارهاب المنظمة في الضفة من بعيد.
كان من المثير ان نسمع نتنياهو يستعمل اليوم تسويغات ارييل شارون وايهود اولمرت، وهو يختار دخول تفاوض قد يفضي الى تنازلات مؤلمة بالنسبة اليه كان يتحفظ منها تحفظا شديدا في الماضي. وقد عاد رئيس الوزراء ليفتخر باعتداله الأمني، وذكر كذلك حقيقة انه استعمل ضبط النفس في عملية ‘عمود السحاب’ في قطاع غزة في العام الماضي، ولم يستجب لدعوات توسيعها بادخال قوات برية واحتلال القطاع.
يريد نتنياهو كي يضائل المعارضة في اليمين، ان يفرج عن الـ104 سجناء في اربع مراحل في مدة تسعة اشهر الاتصالات. وهذا تأخير النهاية الذي قد يسبب له ضررا سياسيا بين عدد من ناخبيه. فبدل التخلص من رؤية السجناء يلوحون باشارات ‘v’ ويرفعون أعلام فلسطين دفعة واحدة، سيكرر التجربة الشعورية غير الطيبة بالنسبة اليه اربع مرات. ويصعب ان نؤمن بأن اسرائيل ستنجح في أن تفرض على السلطة الاستمرار في الاتصالات طول الفترة كلها اذا لم يُحرز فيها تقدم بناءً على توقع الافراج عن السجناء في الدفعات الاخيرة فقط.
وهذا من وجهة نظر الفلسطينيين انجاز أصبح مضمونا لهم. وأما الجدل في الافراج عن السجناء العرب الاسرائيليين في القائمة فأُثيرت فيه اسئلة مبدئية تتناول السيادة، من دون ان تُذكر مشكلة عملية ـ لأن الافراج عنهم قد يكون بابا الى استئنافات قضائية تطلب الافراج عن قاتلين اسرائيليين على خلفية سياسية، وفي مقدمتهم عامي بوبر.

السابق
مصر: تدهور متوقع مسبقا
التالي
حملة “لقّحوا سجناءكم لا ينفع الندم”