حزب الله يقرأ بتمعن أخطار القرار الأوروبي

لم يكن في امكان “حزب الله” ان يحول دون صدور قرار الاتحاد الأوروبي بوضع جناحه العسكري على لائحته للمنظمات الارهابية، لكنه شكل على الفور خلية أزمة أوكل اليها مهمة حصرية وهي كيفية امتصاص تداعيات وتأثيرات هذه الضربة الجديدة التي وجِّهت اليه وهو في ذروة المواجهة في الساحة السورية، توطئة لمواجهتها وخفض منسوب تأثيراتها.

القرار الاوروبي ليس قراراً يمكن اضافته الى لائحة القرارات الدولية المستهدفة ضمناً الحزب وحركته، وان في الامكان ضرب الصفح عنه واعتباره وكأن شيئاً لم يكن، اذ ان قيادة الحزب باتت على شبه اقتناع من ان للقرار مفاعيله على المديين المتوسط والبعيد رغم ان الأوروبيين سارعوا لاسترضاء خاطر الحزب، والتقليل من اهميته ونتائجه من خلال الزعم بأن هذا القرار لن يوصد ابواب التواصل وجسور الاتصال مع قيادة الحزب على سالف العهد.
أخطار القرار الأولية التي تبادرت سريعاً الى ذهن قيادة الحزب تتأتى من تضييق السلطات الاوروبية على جمهور الحزب وعلى بيئته الحاضنة في الخارج. فأوروبا، قبل سواها، تدرك تمام الادراك ان للشيعة اللبنانيين في الخارج ممالك مالية واقتصادية وتجارية فاعلة تشكل مورد رزق مباشراً وغير مباشر لأكثر من 800 الف شيعي لبناني ينتشرون ما بين دول افريقية واميركية وخليجية وأوسترالية بالدرجة الاولى ثم اوروبية.
امر التعرض لهذه الجالية الضخمة المترامية ولممالكها المالية الواعدة صار قديماً بعض الشيء، اذ اعتادت الصحف ووكالات الانباء ذكر اسماء لأشخاص لبنانيين شيعة اعتقلوا بشبهة الارتباط بـ”حزب الله” او بتهمة توفير الدعم، وآخرهم المعتقلين الثلاثة في نيجيريا والذين لم يثبت اطلاقاً اي انتماء لهم بدينهم.
لكن الخشية ان يكون القرار الأوروبي الاخير غطاء او ذريعة بغية ممارسة المزيد من هذا النوع من المضايقات بحق لبنانيين بشبهة علاقة ما بالحزب، وخصوصاً ان القرار مطاط ومبهم ويمكن استخدامه في مواضع معينة بشكل متعسف. وتخشى قيادة الحزب ضمناً ان يكون الهدف الابعد للقرار الاوروبي هو العمل على تجفيف “الحاضنة” الشعبية العريضة التي يسبح الحزب في ممراتها منذ زمن بعيد على نحو جعل الحزب بالنسبة للشيعة في لبنان والعالم رمز القيادة التي ما اعتادت إلا الثبات والربح، حتى ان ثمة دراسات غربية تتحدث بصراحة عن انها ما وجدت تماهياً بين حزب وقاعدته كما هي عند “حزب الله” وقاعدته.
والحزب على علم بكل الجهود التي بذلتها دوائر وجهات محلية وخارجية بغية ايجاد ثغرة يمكن توسيعها لاحقاً في علاقة الحزب بجمهوره وقاعدته، وكيف كانت تُنفخ عبثاً كل الحالات والظواهر الشيعية التي تبدي استعداداً لمعارضة الحزب وجرأة على التصدي له ومناهضته، وعليه فان الحزب وإن كان واثقاً من الأحداث والتجارب والسنوات التي متّنت علاقته بقاعدته على نحو يصعب فصم عراها، الا انه بات يحسب حساباً ليوم يلحق الاذى فيه بشرائح واسعة من المغتربين والمهاجرين الشيعة، لا سيما وان الحزب يقيم على تخوف من ان تتخذ دول الخليج او بعضها اجراءات مشددة تفضي الى طرد لبنانيين يعملون في هذه الدول في حال اتخذ مجلس التعاون الخليجي قراراً بادراج الحزب على لائحة المنظمات الارهابية تكملة لقرار الاتحاد الاوروبي. وفي كل الاحوال يعي الحزب تماما ان الطرف الأوروبي لم يتخذ قراره الا بعد تأمل وتمحيص ودراسة لمنظومة المعالم المعقدة، وانه بالتالي لا يمكن اعتباره قراراً أجوف او لا ينطوي على أخطار.
وفي المقابل، فان الحزب بادر كعادته الى قراءة متأنية وجدية وعميقة لأبعاد القرار، مركزاً خصوصاً على تداعياته المحتملة.
لذا فهو مدرك في العمق ان اوروبا التي سارعت سفيرتها انجيلينا ايخهورست الى التواصل 3 مرات على مدى يومين متتاليين مع قيادات الحزب، تركت مجالا للمخارج والتأويلات والتفسيرات الظرفية من خلال تفريقها بين جناحي الحزب، مع ادراكها المسبق ان التشخيص خاطئ او غير دقيق لأن الحزب اصلاً مقاومة ولاحقا كان له جناح سياسي غايته خدمة المقاومة.
كذلك فان الحزب يدرك ايضاً ان خطورة القرار هي في منظوره التطبيقي وحجم هذا التطبيق ومدى نفاذه خصوصاً انه من المعلوم للجميع انه ليس للحزب أية حسابات مالية أو مصالح اقتصادية أو تجارية في اوروبا كلها، وليس من عادة مسؤولي الحزب الا في ما ندر ولغايات محدودة جداً ان يقصدوا العواصم الاوروبية، لذا فإن الحزب يهمه من القرار خصوصاً المدى التنفيذي والتطبيقي له وفي اية مجالات او اية ميادين. وعليه فاذا كانت اوروبا تمارس على الحزب لعبة الاغواء المزدوج من خلال ارسال موفدتها اليه وفي عقر داره، وحبر القرار لم يجف بعد، فإن الحزب يمارس اللغة نفسها، فهو يفتح ابواب مسؤوليه على مصاريعها أمام موفدي الاتحاد الاوروبي، حتى وإن كان هؤلاء جاؤوا يبلغونه ان ثمة سيفاً مصلتاً جديداً قد رفع فوق رأسه، ولا يهمه بالطبع تبرير اوروبا لاقدامها على هذه الخطوة وإذا ما كانت مكرهة او طائعة، بقدر ما يهمه ماذا بعد على مستوى التطبيق والتنفيذ وأي حدود ستبلغ، واستطراداً ما هو المخفي والمستور الذي يريده الاتحاد الاوروبي من الحزب قبل ان ينتقل الى المرحلة الثانية وخصوصاً المرحلة التطبيقية، ام ان الامور ستقف عند الحدود التي بلغتها، وتم ابلاغها الى قيادة الحزب مباشرة ومواربة؟
لا ريب ان الحزب قد شرع في رحلة التكيف مع القرار الجديد الذي يستهدفه، والذي سيضاف الى القرارين 1559، و1701 وما بينهما، على أن يبدأ في وقت قريب جداً مرحلة الاستيعاب والإمتصاص.
ولا تخفى دوائر على صلة بالحزب من ان جزءاً اساسياً من هذه المرحلة مبني على ما حمله وسيحمله موفدو السفارة الاوروبية اليه من رسائل معلنة ومشفّرة. وهذا ما يفسر سبب عدم اقفال الحزب ابوابه امام ايخهورست وآخرين أتوه سراً وعلانية، إذ لا يهمه من الامر التعويض المعنوي والاسترضاء فحسب بقدر ما يهمه وقوفه على كنه القرار وسبر اغواره، وهو الذي بات يعد نفسه ضليعاً بالعقل الاوروبي وفي التعاطي معه.

السابق
اليونيفيل في صور طمأنينة رسمية
التالي
رؤية أميركية للشرق الأوسط