فضائيات في فرنسا تحرض ضد المسلمين

انتشر في السنوات الأخيرة وصف «فضائيات الفتنة» على بـــعض المحطات العربية التي تقدم «التقارير الإعلامية التحريضية» وتقوم «بهجمات مغرضة» ذات مضمون طائفي… هذه الفــــضائيات تحــــظى «بحرية» في الاستفزاز لا تخضع لميثاق أو لهيئة تتدخل لمنعها أو لتـــحذيرها من التجريح بالآخر وكل ما من شأنه التحريض على السلم الأهلي.
في فرنسا يقوم المجلس الأعلى للسمعي-البصري بهذه المهمة، فإضافة إلى ضمانه حرية وسائل الإعلام الفرنسية يضطلع بمسؤوليات أخرى ضمنها اهتمامه باحترام تلك الوسائل كرامة الكائن الإنساني والصدقية في معالجتها الأخبار وتقديمها تيارات الرأي المتعددة… ومنذ فترة قدمت إحدى المحطات الفرنسية الخاصة «23» حلقة نقاش عنوانها «هل الإسلام قابل للذوبان في الجمهورية (الفرنسية)؟».
جاء البرنامج بعد استطلاع للرأي نشرت نتائجه جريدة «لوموند» بيّن أن 74 في المئة من الفرنسيين يرون في الإسلام ديناً «غير متسامح» ولا يتوافق مع قيم الجمهورية. استضافت الحلقة من جهة روائية ووزيراً فرنسياً سابقاً من اصول عربية، ومن أخرى الكاتبة الصحافية اليزابيث ليفي وروبرت مينارد مؤسس «مراسلون بلا حدود» ومدير موقع الكتروني حالياً. بدأت مداخلة الأخير بقدح وذم: «الإسلام ليس ديناً محبباً… هو أقلية تريد فرض خياراتها ووجهة نظرها»… ثم ترددت آراء من نوع «من الأفضل أن تكون امرأة في المجتمع المسيحي منه في الإسلامي»، وبأنهم ملّوا الحديث عن «الإسلام اللطيف والمسلمين الشريرين» مع لوم للمسلمين المسالمين فلم «لا يأخذ هؤلاء موقفاً (مما فعله محمد مراح مثلاً) ويعبّرون عنه؟».
لم يتدخل مقدم الحلقة كثيراً، ولم يستطع الوزير السابق والروائية الوقوف في وجه كل هذا التحريض. البرنامج لم يرق للمجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي، فأعلن منذ أيام قليلة «أسفه الشديد» لعدم التزام المحطة أدبيات المواثيق الإعلامية وعدم احترام مهمتها بالحفاظ على التماسك المجتمعي والدفاع عن قيم الاندماج ومحاربة التمييز، منبهاً إلى حساسية هذه المواضيع التي يجب أن تعالج «بيقظة وحذر واتزان».
لا يميل الفرنسيون إلى كل ما يعتبرونه تقنيناً لحرية التعبير وتجسيداً لسيادة «الفكر الموحّد» وهو الاتهام الذي وجهه المذيع الى المجلس واصفاً إياه «بالرقيب الجديد للفكر الموحّد». ليس المطلوب كم أفواه هؤلاء المنتقدين بحجة السلم الأهلي، وتجنب الحديث عن حقائق جلية في المجتمع الفرنسي مثل الخوف بل احياناً كره ممارسات المسلمين والخشية من تغيير طبيعة الحياة الفرنسية، إنما مقابل هذا يجب إتاحة المجال للرد واختيار شخصيات متمكنة ومفكرين قادرين على تقديم صورة أخرى عن الإسلام وهو نادراً ما يحصل.
هنا كان المنتقدون أعلى صوتاً وأكثر احتكاراً للكلام بحيث لم يتح الوقت ولا نوعية المدافعين المجال لنقاش حقيقي، فبدت الحلقة وكأنها هجوم بحت وتحريض مجاني لم نعتده على الشاشات الفرنسية.

السابق
فتفت: القرار الأوروبي مسّ نصرالله بالصميم
التالي
إفطار حوزة الإمام السجاد في الذكرى الأولى لإطلاق “ربانيون بلا حدود”