فضل الله: لوعي مخاطر توظيف القرار الاوروبي

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، لا بد لنا من أن نعيش ذكرى استشهاد أمير المؤمنين، وأن نستوصي بوصاياه، حيث توجه بوصيته الأولى إلى ولده الإمام الحسن، بعدما قبض على قاتله ابن ملجم، فقال: “ارفق يا ولدي بأسيرك، وارحمه، وأحسن إليه، قال: يا أبتاه قتلك وأنت تأمرني بالرفق به؟ قال: نعم يا بني، إنا أهل بيت لا نزداد على الذنب إلا كرما وعفوا، بحقي عليك، فأطعمه مما تأكله، واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما ولا تغل له يدا”، ثم توجه إلى ولديه، ومن خلالهما إلينا قائلا: “أوصيكما، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما يقول: “صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام”. “الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم. والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم; ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. والله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم. والله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع. لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي. انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله يقول: “إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور”.

أضاف: “بهذه الوصية نستطيع أن نعالج الكثير مما نعاني منه في واقعنا الذي يضج بالفتن، حيث لا تزال البلاد العربية على حالها، تعاني المزيد من العنف وعمليات التشظي السياسي والأمني، وهذا ما بتنا نجده واضحا في العراق، حيث يزداد، وبشراسة، مسلسل التفجيرات الوحشية التي تطاول المدنيين في شوارعهم ونواديهم ومساجدهم، ولا تفرق بين منطقة وأخرى، ولا حتى بين مذهب وآخر، أو بين دين وآخر، والتي يسعى العابثون بأمن هذا البلد إلى إعطائها بعدا مذهبيا وطائفيا لتأجيج الصراع فيه”.

وتابع: “لكن كل من يعي حقيقة ما يجري في الساحة العراقية، يعرف أن ما يحدث ليس إلا جزءا من صراع المحاور الإقليمية، التي لا تريد لهذا البلد الاستقرار ولعب دور فاعل في المنطقة، ما يدعو كل مكونات الشعب العراقي إلى وعي ما يخطط لبلدهم، والعمل على تدعيم الجبهة الداخلية، وتقويتها، وتحصينها بالتلاقي والحوار الجاد والمسؤول، لمنع اللاعبين بمستقبل العراق والمصطادين بالماء العكر من أن يجدوا أرضا خصبة لهم فيه”.

وقال: “ليس بعيدا من العراق ما يجري في سوريا، حيث تتصاعد حدة الأزمة بمستوياتها الأمنية والاقتصادية والسياسية والإنسانية، كما في مسألة النازحين، في ظل عدم إسراع الدول الكبرى بتحقيق ما وعدت به من “جنيف 2″، ما بات يؤكد أن الخطة المرسومة دوليا للأزمة السورية، تستهدف إطالة أمدها إلى أكثر وقت ممكن، لاستنزاف كل الأطراف المتواجدة على الأرض، وكل القوى الإقليمية التي تدعم هذا الفريق أو ذاك”. وإذا كان هناك من حل مستقبلي، فهو عندما تنضج طبخة التسوية التي تعد للمنطقة، والتي لن تكون إلا لحساب مصالح القوى الكبرى، ولن تكون مصلحة سوريا ولا العالم العربي على رأس أولوياتها”.

اضاف: “إننا لا نملك أمام هذا المشهد النازف والدامي في سوريا، إلا أن نعيد الدعوة لكل الذين لا يزالون يراهنون على الحل العسكري، إلى الخروج من رهاناتهم واستبدال سلاح القتل والعنف، بسلاح الحوار والتواصل، لتحقيق أماني الجميع، حيث لا خيار لحل الأزمة في هذا البلد إلا الحوار والتلاقي”.

وتابع: “أما مصر، فنخشى أن تكون قد دخلت في أتون فتنة لا تبقي ولا تذر، ولا سيما بعدما صار الميدان هو ساحة الصراع فيها، وأصبحت لغة التهديد والعنف هي السائدة”، مجددا التأكيد على “كل مكونات الشعب المصري، الذي لم نعهده إلا محبا للسلام والوئام والوحدة، الإسراع في الخروج من هذا النفق الذي يراد لهذا البلد العربي والإسلامي الأساسي أن يقع فيه، من خلال حوار جاد يراعي هواجس كل الأفرقاء فيه ومطالبهم، بعيدا من سياسة الاستئثار والإلغاء التي لم تؤد إلى الاستقرار السياسي سابقا، وهي بالطبع لن تؤدي إليه لاحقا”.

ورأى ان “المرحلة في مصر لا تحتاج إلى أصحاب الرؤوس الحامية، ولا إلى عقول متوترة، بقدر ما تحتاج إلى إطفائيين، يمنعون دخول هذا البلد في مهب الصراعات الإقليمية والدولية”.

وقال: “في هذا الوقت، وعلى نار الفتن التي يراد لها أن تغرق كل المنطقة، يأتي الحديث عن مفاوضات لن يكون الهدف منها سوى تلميع صورة الكيان الصهيوني، وإعطائه المزيد من الوقت لتحقيق أهدافه في الإطباق على فلسطين وكل فلسطين، ولهذا نجده يتحدث عن مفاوضات، فيما يتابع خططه الاستيطانية. ولذلك، نعيد التأكيد على الفلسطينيين عدم خوض تجربة تفاوضية جديدة لن تكون في صالحهم، بل العمل على تقوية الساحة الفلسطينية وتوحيدها، والانطلاق بها لمواجهة مشاريع العدو الصهيوني ومخططاته”.

وتابع: “أما لبنان، الذي لا يزال يعاني من انقسام سياسي حاد، والذي نخشى أن تزيد في حدته قرارات الاتحاد الأوروبي غير المنطقية وغير المبررة في إدراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب، نظرا إلى تأثيراته في الساحة اللبنانية الداخلية، فضلا عن جعله هذا البلد مشرعا أمام العدو الصهيوني، الذي سيجد فرصة لشن الحرب على لبنان، تحت ذريعة مواجهته الإرهاب”.

ودعا “الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر بهذا القرار وانعكاسه على الواقع اللبناني، وعلى العلاقة المميزة التي طالما جمعت أوروبا بهذا البلد وبالعالم العربي، بحكم التاريخ والقرب الجغرافي، والتي تميزت عن الدور الأمريكي ومساندته المطلقة للكيان الصهيوني”.

وقال: “إننا نريد لأوروبا أن لا تبدو في هذه المرحلة وكأنها خضعت للكيان الصهيوني، الذي سارع إلى اعتبار ما حصل نصرا لدبلوماسيته، على حد زعم مسؤوليه، ونحن ندعو اللبنانيين إلى وعي مخاطر توظيف هذا القرار لخدمة المصالح الخاصة والحسابات الداخلية لهذا الطرف أو ذاك، ما قد يؤدي إلى زيادة الشرخ والانقسام، في الوقت الذي تحتاج هذه الساحة إلى رأب الصدع وتمتين الوحدة الوطنية”.

واضاف: “نريد أن يكون هذا القرار حافزا لتلاقي اللبنانيين، لدراسة كل السبل التي تقي هذا البلد من أن يصبح مشرعا أكثر على الصراعات الدولية والإقليمية، والتي تحميه من العدو الصهيوني الذي لا يزال يرسل تهديداته اليومية، ويواصل خروقاته الجوية والبرية والبحرية، والذي لا يكل عن الاستعداد لحرب مع هذا البلد، فقد يستفيد من هذا المناخ للقيام بمغامرة ربما يرى أنه سيكون الرابح فيها، تعويضا عن هزيمته التي نعيش الآن أيامها”.

ودعا الى الاسراع في “حوار داخلي يفتح الطريق أمام استراتيجية دفاعية تحمي البلد من المخاطر العدو الصهيوني، والوصول إلى آليات تؤمن تشكيل حكومة جديدة، تجمع في داخلها كل المكونات الوطنية، وتمنع العابثين الذين يخططون لضرب الاستقرار الداخلي”.

وختم: “إننا في الوقت الذي نهنئ كل طلابنا الناجحين في الشهادات المتوسطة والثانوية ونبارك لهم، ننبه إلى مخاطر الأسلوب المتخلف في التعامل مع الأفراح كما الأحزان، والذي كنا نعتقد أنه انتهى إلى غير رجعة، نظرا إلى تداعيات هذا الأسلوب على أمن الناس وراحتهم وأعصابهم، ولا سيما في ظل الجو المتوتر الذي يعيشه البلد، فليس هذا هو الأسلوب الصحيح في التعبير عن الفرح، فالتعبير عن الفرح لا يتم بنزع الفرح من قلوب الآخرين وإيذائهم، فليكن الفرح بمزيد من الشكر لله والدعاء له بمتابعة مسيرة النجاح”، مذكرا ب”الحكم الشرعي الذي لا يجيز إطلاق النار في الهواء، ولا إطلاق المفرقعات التي تؤدي إلى إيذاء الناس والإساءة إلى ممتلكاتهم وأرواحهم”.

السابق
جند الشام تحمي الاسير في عين الحلوة.. ومرافقه مشتبه به في محاولة اغتيال عون
التالي
قبلان: لتشكيل حكومة بعيدا عن المنطق السياسي السائد والخطاب الفتنوي