تحديات الدولة المدنية

الهاربون يصوّتون بأقدامهم، كما قيل. لكن المصريين الصامدين في أمّ الدنيا كانوا منذ عامين ولا يزالون على موعد يومي مع الميادين للتصويت بالأقدام. واليوم واحد من أهم المواعيد بعد إسقاط سبقه سقوط بالفشل لتجربة سلطة بائسة ومخيفة جاء بها التواطؤ على الثورة والتصويت بالأيدي في موسم خداع ديمقراطي من أجل حكم ثيوقراطي. موعد، ليس فقط للاحتكام الى الساعات بين الجماعة والمجتمع بل أيضاً لحسم التوجهات على مفترق طرق بين الحرب الأهلية والمصالحة الوطنية. فما تريده جماعة الإخوان المسلمين التي صادرت ثورة ٢٥ يناير هو إلغاء ثورة ٣٠ يونيو ومفاعيلها. وما يريده المجتمع المدني والأهلي هو تطبيق خارطة الطريق بدل الدخول في نفق مظلم حذّر منه الفريق السيسي وطلب من الشعب اعطاءه تفويضاً أو أمراً لمواجهة العنف والارهاب.

والتحدّي كبير وخطير. فليس أصعب على الإخوان المسلمين من التسليم بخسارة السلطة سوى استعادة ما ربحوه في لحظة قدرية واستردّه الشعب والجيش في لحظة مصيرية. ولا أخطر على الثورة من التراجع سوى أن تتحول تحت ضغط العنف سلطة انقلاب عسكري. ومن المهم ان يقول رئيس الحكومة الدكتور حازم الببلاوي ان مصر ليست دولة دينية ولا دولة عسكرية. لكن الأهم هو الاصرار على المواجهة الثابتة والمتحركة لمخاطر الدولة الدينية والدولة العسكرية، والتقدم بالفعل في بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي هي خيار القوة الشعبية.
والمعادلة واضحة: الديمقراطية والحداثة والعروبة في وجه الأخونة والعسكرة. فالمستقبل العربي يتوقف على مستقبل مصر ونموذج الحكم فيها. وسقوط النموذج العسكري مع حسني مبارك والنموذج الإخواني مع محمد مرسي له انعكاسات مهمة على الاوضاع العربية. واذا كانت حقائق التاريخ والجغرافيا تحدد دور مصر، فإن استعادته كما يراهن المصريون والعرب محكومة بمثلث الديمقراطية والحداثة والعروبة في دولة مدنية. ولم يكن أمراً بلا دلالات ان يستعيد الوضع الانتقالي قوة الوطنية المصرية، ويعيد التذكير بالخط التاريخي للثورات: من ثورة احمد عرابي الى ثورة ١٩١٩ الي ثورة ٢٣ يوليو وصولاً الى ثورة ٢٥ يناير وثورة ٣٠ يونيو.
ولم تكن سلطة الاخوان سوى انحراف عن هذا الخط التاريخي. وليس امامهم اليوم سوى الخيار بين العنف الذي هو انتحار سياسي لهم وتأخير للمسار الديمقراطي وبين مراجعة المواقف والأخطاء والخطايا لأخذ دور لهم في العملية السياسية. فالعودة الى سلطة الاخوان مستحيلة فوق كونها كارثة. وتعميق الانقسام بدل المشاركة في المصالحة الوطنية كارثة أخرى. وخيار الشعب المصري اقوى من خيار اي فريق.

السابق
حزب الله سيبقى قوة إقليمية
التالي
إسرائيل لحزب الله: ظهر الحقّ وزهق الباطل!