إسرائيل لحزب الله: ظهر الحقّ وزهق الباطل!

أجمل التعليقات الإسرائيلية حول إدراج ما يسمى «الجناح العسكري» لحزب الله على لائحة الإرهاب التابعة للاتحاد الأوروبي، تعليق للخارجية الإسرائيلية، نشر أخيراً على موقعها على الإنترنت باللغة العربية، تحت عنوان «إدانة حزب الله ومن وراءه بالإرهاب». يبدأ التعليق بجملة مفتاحية لافتة جداً: «ظهر الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا». افتتاحية التعليق صادمة، وتدفع القارئ الى التأكد من أن ما يتصفحه هو موقع تابع لإسرائيل، وليس موقعاً تابعاً للأزهر الشريف أو حوزة قم.

قد يكون استخدام الآية القرآنية إحدى بدع الحرب الدعائية التي أعلنت تل أبيب أنها باشرتها أخيراً ضد حزب الله، ظناً بأن استخدام آيات من القرآن في الإساءة الى حزب الله، من شأنه أن يعطي صدقية أكبر لمضمون الدعاية والحرب النفسية وفبركاتها. إلا أن ما يخفى على الخارجية الإسرائيلية، و«وحدة الحرب الإعلامية» المنشأة أخيراً في الجيش الإسرائيلي، أن قراءة المتصفح العربي للآيات الكريمة في التعليقات الإسرائيلية، عن حزب الله وغيره، يقلّص كثيراً من صدقية هذه التعليقات ويرتدّ سلباً عليها، ويذكّر القارئ، قبل قراءة المضمون، بدينه وتراثه وأعدائه وما يرد في القرآن بحق أعدائه.

لجهة مضمون التعليق، فإنه لا يذكر حقيقة القرار الأوروبي بإدراج «الجناح العسكري» لحزب الله على قائمة الإرهاب، بل ينطلق في تحليله من أن الحزب نفسه، ككيان سياسي وعسكري واجتماعي، هو الذي أدرج على القائمة. وينطلق مضمون التعليق ونقاطه السبع من هذه الفبركة وتعمية الحقيقة، تحديداً. إذ يرد ما حرفيته «اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً حاسماً بإدراج حزب الله على قائمة الإرهاب، وهو قرار اتخذ بالإجماع، وأماط اللثام عن الوجه الحقيقي لحزب الله وإظهاره كأداة إرهابية لنظام الملالي الإيراني»، ويقوّل التعليق القرار الأوروبي ما لم ينطق به، علماً بأنه لم يصدر بصورة رسمية حتى الآن، ولم تتضح فذلكته وموجباته بشكل كامل. وبعد القفز عن هذه الحقيقة، ينقل القارئ الى واقع خيالي، يصوّر حزب الله كشخص يحمل سلاحاً ويتجوّل في مدن العالم، مطلقاً النار على الأبرياء أينما وجدهم، إذ يقول «هنالك أيضاً أدلة دامغة على أنه (حزب الله) ينفذ عمليات إرهابية ويقتل الناس الأبرياء في شتى أنحاء العالم، في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وبالطبع في أوروبا»، من دون أن ينسى الإشارة الى الأهم بالنسبة إلى الإسرائيليين وهو «أن حزب الله أطلق القذائف الصاروخية على المدنيين في إسرائيل طوال سنين».

ويشير التعليق الى ما سماه «جريمة حزب الله المزدوجة»، فهو إضافة الى كونه أطلق الصواريخ على المدنيين (الإسرائيليين)، ينشر صواريخه وسط المدنيين في لبنان، ما سبب الكثير من الحوادث التي راح ضحيتها مدنيون لبنانيون، علماً بأن الحوادث التي يتحدث عنها تقرير الخارجية الإسرائيلية لم تسفر عن ضحايا أساساً، كما أنها، كما هو معلوم وموثق، ناتجة في معظمها من مخلفات الحروب التي شنتها إسرائيل على لبنان. وهذه أيضاً تعمية للحقائق، في الشكل والمضمون.

ويذكر التعليق نصف حقيقة مشوهة. حيث يرد فيه «مع الإعلان عن إدراجه على لائحة الإرهاب، غالبية اللبنانيين تنفّسوا الصعداء، وخصوصاً بعدما طال أمد تقديم قادة حزب الله أمام القضاء بتهمة اغتيال رفيق الحريري، والكثير من رجالات لبنان. وإذا كان القضاء اللبناني غير قادر على معاقبة القتلة من حزب الله، فها هو سيف العدل من الخارج يقول قوله، ولا يغيرّ في هذا الأمر شيئاً احتجاج وزير خارجية لبنان عدنان منصور على القرار»، وفي ذلك اجترار محدث على الواقعة الأوروبية، لاتهامات سيقت في وجه حزب الله في السابق، تهدف الى تأليب شريحة من اللبنانيين عليه.

ويتساءل التعليق عن معنى إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب، متناسياً أن الحزب، ككيان، لم يدرج على هذه اللائحة، ويجيب: «معناه تضييق الخناق على نشاطات حزب الله، وحظر جميع التبرعات لصالحه في هذه الدول، وتجميد أمواله في البنوك الأوروبية، وفرض القيود على معاملاته المصرفية، ومراقبة حركات ناشطيه في الدول الأوروبية وسكناتهم، ومنعهم من دخول هذه الدول». وهنا، يعمى التعليق عن وقائع الأمور، وأن صدور القرار الأوروبي بحق «الجناح العسكري» دفع الأوروبيين الى تكثيف زياراتهم لقيادات الحزب، الأمر الذي كان يحدث في السابق بشكل خجول. وربما تكون هذه هي إحدى أهم نتائج القرار، قياساً بما أدرجه تعليق الخارجية الإسرائيلية، حيث لا جمع أموال أساساً، ولا أموال، ولا معاملات مصرفية… قبل القرار وبعده.

قد يكون البند الأخير في التعليق الإسرائيلي الأقرب الى الحقيقة. إذ يخلص الى أن «ردود الفعل في شتى أنحاء العالم العربي على القرار الأوروبي، تعبر عن الرضى والارتياح، باعتبار حزب الله أداة إرهاب إيرانية تعمل ضد الأمن والاستقرار في الدول العربية. وحتى في لبنان ذاته، وعلى رغم تصريحات بعض المسؤولين ضد القرار، هناك إدراك واقتناع بأن ممارسة حزب الله للإرهاب وإمساكه بالصواريخ والبنادق الى جانب الجيش اللبناني يأتي على حساب أمن لبنان واستقراره ومصالحه». فهنيئاً للعرب ولبعض اللبنانيين، على الإشادة الإسرائيلية بهم.

السابق
تحديات الدولة المدنية
التالي
روسيا تخشى تحوّل لبنان إلى ساحة جهاد