توجيهات الاتحاد الاوروبي لا تثير الاهتمام

مضت وانقضت الايام الطيبة التي اعتادوا ان يقولوا فيها ان الاتحاد الاوروبي سيتفوق على الولايات المتحدة بقوته الاقتصادية، ويصبح قوة عالمية هي العظمى. فهو اليوم يناضل ببساطة من اجل البقاء، وأخذت حصته من الاقتصاد العالمي تتضاءل. وكل الدول الاعضاء فيه تقريبا تواجه ازمات اقتصادية شديدة وبطالة في الذروة. ولم يحقق الاتحاد الاوروبي الآمال التي عُلقت به. واوروبا ومعها الاتحاد في مسار تهاوٍ. نحن نتمنى لهما كل خير، رغم أنه من غير المؤكد أن تكون هذه التمنيات متبادلة أو حين يكون الحديث على الأقل عن الموظفين في بروكسل التي هي عاصمة الاتحاد الفعلية.
من كان يُصدق ان مجموعة البيروقراطيين هذه قادرة على ان تجعل القدس ترتجف خوفا؟ إن التوجيهات التي نشرها الاتحاد في الآونة الاخيرة والتي تحدد حدود اسرائيل بحسب خطوط وقف اطلاق النار في 1949 أحدثت كما أُفيد ‘زلزالا’ في القدس، وزُعم ان الموظفين في بروكسل سيوقعون ضربة بالاقتصاد الاسرائيلي، الذي كان وضعه في السنوات الاخيرة أفضل كثيرا من وضع الاقتصاد الاوروبي، اذا لم تنفذ اسرائيل توجيهاتهم.
من فوّض لهؤلاء الموظفين أن يصوغوا هذه التوجيهات؟ ومن أجازها؟ من الواضح انه لم يفعل ذلك زعماء الدول الاوروبية الكبيرة أنجيلا ميركل وفرانسوا هولاند وديفيد كاميرون، بل انهم لم يعلموا بوجودها. فهل خرج الموظفون عن السيطرة؟ وهل هذه علامة اخرى على تهاوي اوروبا؟
لكن كان رد أجزاء كبيرة من وسائل الاعلام الاسرائيلية أكثر مفاجأة من التوجيهات التي بدت عورتها. فقد أفادت هذه بأن ‘جهات’ في القدس ترى أن توجيهات الاتحاد الاوروبي ليست أقل من زلزال وأنه تم تلقيها في وزارة الخارجية بزعزعة. لكن الحقيقة أنه لم يقع هنا زلزال، بل الحيلة الدعائية المعتادة التي هي ثمرة إبداع صحافيين ومحللين من اليسار. فهؤلاء طبخوا قصة كاملة مليئة بلا شيء كي يقنعوا الجمهور الاسرائيلي بأن من الضروري ترك يهودا والسامرة وهضبة الجولان وجزءا كبيرا من القدس، وإلا فان الاقتصاد الاسرائيلي سيسير في طريق الاقتصادات الاوروبية.
إن كل ما يجب فعله هو أن نقيم العناوين الصحافية الصارخة لعدد من الصحف الاسرائيلية في مواجهة استعراض وسائل الاعلام الاجنبية للأمر. فلم تُذكر البتة توجيهات الاتحاد الاوروبي في مواقع الانترنت لـ’نيويورك تايمز′ و’واشنطن بوست’ و’اللوموند’. وحصر تقرير صحافي في ‘دويتشيه سايتون’ العناية في التأثر الكبير الذي أثارته توجيهات الاتحاد في اسرائيل لا في التوجيهات نفسها.
وتثير هذه القضية سؤالا آخر وهو هل يوجد لدول اوروبا حقا سياسة خارجية مشتركة؟ بشأن الصين أو ايران أو مصر أو سورية أو اسرائيل؟ أم ربما تكون التوجيهات تعبر فقط عن أفكار عدد من الموظفين في بروكسل يعملون في حيرة بيزنطية من دون صلة بالحكومات التي يمثلونها؟
خُذوا مثلا المشروع الذري الايراني. إن عند الايرانيين صواريخ بالستية تستطيع الوصول الى اوروبا. وحينما تُركب عليها رؤوس ذرية ستكون تهديدا محتملا يُذكر الخراب الذي قد تُحدثه بما حدث في اوروبا في الحرب العالمية الثانية. فما هو رد اوروبا؟ إن الاتحاد متعلق بالولايات المتحدة لعدم وجود قدرة عسكرية ذات شأن. وإن لم تكن الولايات المتحدة فان اسرائيل وحذارِ من ذكرها هي الدولة الوحيدة الاخرى القادرة على مواجهة الخطر. اجل هي نفس اسرائيل التي يعمل الموظفون في بروكسل عليها الآن.
وهكذا في وقت يتابعون فيه في الاتحاد الاوروبي النقاش الذي لا ينتهي في سؤال هل يجب تصنيف حزب الله على انه منظمة ارهابية أم لا، يشغل الموظفون في بروكسل أنفسهم بصوغ توجيهات مضادة لاسرائيل، تحظى بتجاهل من الجميع تقريبا.

السابق
البعريني: الاتحاد الأوروبي خاضع للنفوذ الصهيوني
التالي
اسرائيل تصرفت بحكمة ودبلوماسية