تفاوض يحافظ على مصالح اسرائيل

صُبت جامات استهزاء على جهود وزير الخارجية الامريكي جون كيري حينما عمل في الاشهر الاخيرة على تجديد التفاوض السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين، لكن كيري من جهة امتحان النتيجة برهن على ان جهوده لم تكن عبثا. وحتى لو استُعمل ضغط على رئيس السلطة أبو مازن وعلى الطرف الفلسطيني فان الهدف قد أُحرز وينبغي الآن ادارة المباحثات بحكمة.
وتُصب جامات شك منذ نهاية الاسبوع الماضي على احتمال نجاح التفاوض قبل ان يجلس الطرفان أصلا الى طاولة المباحثات لكن ينبغي الى جانب ذلك، بل في مكانه أن نبرز الأمل في التغيير وإن كان ينبغي ان نفعل ذلك بالحذر المطلوب، لأنه يمكن دائما إسماع انتقاد لكن يجب ايضا ان نعرف كيف نعطي فرصة، ولا سيما حينما نفعل هذا بحذر.
تمتع الاسرائيليون والفلسطينيون في السنوات الاخيرة، اذا استثنينا انتفاضة الحجارة السيئة الذكر، بهدوء لم يوجد له مثيل في المنطقة زمنا طويلا. ونبع ذلك من جملة ما نبع من تعاون أمني واقتصادي بين الطرفين، وإن كان قُطع احيانا بأزمة ما. ومع ذلك فان كارهي اسرائيل الذين يريدون ان يسلبوها شرعيتها استغلوا جمود التفاوض كي يُعمقوا فكرة القطيعة مع اسرائيل والدفع قدما بالاعتراف من طرف واحد بدولة فلسطينية في الامم المتحدة. وحقيقة ان اسرائيل ترفض باصرار ان تكون رافضة سلام. وان الفلسطينيين هم الذين رفضوا التفاوض لم تشوش عليهم ثانية واحدة. وهم يتجاهلون الى ذلك حقيقة انه يوجد في غزة نظام ترأسه حماس يوجهه ميثاق وعمليات وروح كالنازية، وهذه فرصة ذهبية لاسرائيل لتُبين للاوروبيين والامريكيين الجانب الرافض الآخر للفلسطينيين مع التوصل في الوقت نفسه الى تفاوض بصورة مسؤولة.
اتبع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في انتخابات 1996 ‘مبدأ التبادلية’ وهو المبدأ الذي يعمل عليه اليوم ايضا، وبحسبه ينبغي بناء العلاقات بالفلسطينيين من جديد. وبهذه الروح بالضبط لا يمكن إنكار حقيقة ان المصالح الاسرائيلية الجوهرية تم الحفاظ عليها بحرص، فقد بدأ التفاوض مثلا بلا شروط مسبقة: وتذكرون أنها شيء لم يوافق الفلسطينيون على المصالحة عليه قبل ذلك. وفي ما يتعلق بالافراج عن السجناء الفلسطينيين الذي سينفذ بالتدريج، أثبتت صفقة شاليط ان قواتنا الامنية قادرة على مواجهة افراج كهذا وعند اسرائيل أصلا قدرة واسعة على العمل في مناطق السلطة الفلسطينية. وتم احراز انجاز آخر بمعاونة ادارة اوباما: فالفلسطينيون سيمتنعون عن التوجه بصورة أحادية الجانب الى الامم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية في الاشهر التسعة القريبة.
ومن السهل جدا من جهة اخرى ان نكون شكاكين. ويمكن بل من المرغوب فيه ان ننظر الى الوجه الآخر من قطعة النقود. إن تحريك المسيرة السياسية بالشروط التي نشأت سيملأ الفراغ الذي نشأ، ولن يُمكّن اسرائيل فقط من محاربة القطيعة الاوروبية بصورة فعالة، بل من مواجهة دعاوى الفصل العنصري الكاذبة ايضا. والى ذلك فان موافقة اسرائيل لبدء التفاوض رغم تعقيده يُظهر الطيبة وهذا استعداد يعرف اصدقاؤنا في اوروبا والولايات المتحدة كيف يُقدرونه. لكن الأهم هو أنه تُتخذ هنا خطوات عملية لمنع انشاء دولة ثنائية القومية وهذا أكبر انجازات التفاوض.

السابق
نتائج بروفيه الشمال والجنوب ابتداء من الثانية بعد الظهر
التالي
المحادثات: تشاؤم لا تفاؤل