النكبة المستمرة ومخطط برافر

الجديد في مخطط برافر ان لا جديد.
مصادرة اراضي النقب وحشر الفلسطينيين البدو في مساحة واحد في المئة من ارضهم، وطردهم من قراهم، وتحطيم حياتهم، هو جزء من آليات بدأت عام 1948 ولم تتوقف لحظة واحدة.
مَن اعتقد ان النكبة حصلت عام 1948، وانتهى الأمر بتأسيس دولة اسرائيل على انقاض فلسطين، كان مخطئا وعاجزا عن رؤية الحقيقة.
النكبة بدأت عام 1948، ولا تزال مستمرة الى اليوم.
وانا لا اتحدث عن نكبة الضفة الغربية والقدس بالاستيطان الوحشي الزاحف، بل اتكلم عن فلسطين خلف الخط الأخضر التي صار اسمها اسرائيل.
فالجيش الاسرائيلي لم يكتف بتدمير اكثر من اربعمئة قرية فلسطينية وطرد سكانها عام 1948، كما لم يكتف باحتلال المدن الفلسطينية وتهويدها بعد طرد اهلها، لكنه تابع وبلا هوادة، سياسة تهويد ما تبقى من الأرض ومصادرتها، في سياسة مدروسة وممنهجة.
الفلسطينيون الذين بقوا في ارضهم، تحولوا في العرف الاسرائيلي الى كائنات محجوبة، يجب ان تعيش في ما يشبه الغيتوات المقفلة، وتشعر دائما انها مهددة بالطرد.
فالطرد لم يحصل فقط عام 1948، بل كان سياسة مستمرة خلال فترة الحكم العسكري التي استمرت حتى عام 1966، وهو يلوح في الأفق، في اية لحظة.
لذا، وبصرف النظر عن الواقع الشكلي الذي جعل من الفلسطينيين في اسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية، فإن اسرائيل تتمنن على سكان البلاد الاصليين واصحابها بمواطنتهم في بلادهم، وهم مهددون دائما بشتى انواع العسف، ولا تغيب عن ذاكرتهم مشاهد الشاحنات التي قامت بترحيل اقرانهم من قرية برعم التي هدمت عام 1951، اي بعد النكبة بثلاث سنوات، الى بناء مستعمرة كرمئيل على اراضي دير الأسد والبعنة ونحف سنة 1963 المصادرة، والتي وجهت بمقاومة عنيدة من سكان القرية المنكوبة، الى طرد ما تبقى من اهالي صفورية بعد النكبة، الى مصادرة اراضي الناصرة والقرى المجاورة: الرينة، كفركنا، عين ماهل، من اجل بناء الناصرة العليا اليهودية، الى منع اهالي شعب من العودة اليها، الى آلاف اللاجئين في اسرائيل الذي يعيشون على مقربة من قراهم التي لا يحق لهم العودة اليها، على الرغم من كونهم مواطنين اسرائيليين. يكفي ان نقرأ شعر طه محمد علي المجبول بسخرية مأسوية، كي نكتشف وشم النكبة على العيون والأجساد والكلمات. الى آخر ما لا آخر له…
الاستعمار الاستيطاني مستمر خلف الخط الأخضر وفي الضفة الغربية، وكل من يعتقد ان نكبة الفلسطينيين انتهت واهم. فالنكبة مستمرة كحياة يومية، ومقاومتها لم تتوقف بأساليب متنوعة لعل اهمها كان الدفاع عن البقاء، بوصفه الرد الحقيقي الوحيد المتاخ، امام الشعب الفلسطيني خلف الخط الأخضر.
لذا اتت حكاية قانون برافير العجيب، لتكون فصلا في حكاية مستمرة. لقد قيل الكثير عن بدو النقب، وعن تعامل بعض قياداتهم مع الاحتلال، وعن تجنيد البدو في الجيش الاسرائيلي، لكن كل هذا، وجزء كبير منه صحيح، لم يشفع لبدو النقب، الذين عليهم ان يتجرعوا كأس الذل والمهانة والنهب الذي تجرعه من قبلهم جميع الفلسطينيين.
بالنسبة لاسرائيل وللحركة الصهيونية فان الاستيلاء على الأرض الفلسطينية اولوية مطلقة. وامام هذه الأولوية كل شيء يصبح ثانويا. فالذاكرة الاسرائيلية لا تتذكر سوى اسطورة عمرها اكثر من الفي سنة، اسمها ارض الميعاد. واي شيء آخر يجب ان يخدم هذه الذاكرة المحنطّة بالعنصرية.
الرد على برافير لا يكون بالمظاهرات فقط، على الرغم من ضرورتها، ولا بصرخات الاحتجاج، على الرغم من اهميتها، بل يكون بالعودة الى فتح الملف بأسره.
فالذي هدم العراقيب مرات لا تحصى لن يوقفه عن اقرار مخطط برافير والاستيلاء على النقب، سوى فتح ملف املاك الغائبين-الحاضرين.
الشعب الفلسطيني الذي بقي في ارضه بعد حرب النكبة عام 1948، تحول بفعل فذلكة قانونية لا سابق لها، الى مجموعات من الحاضرين- الغائبين. فالفلسطيني غائب وهذا ما يسمح بمصادرة ارضه ومنعه من العودة الى قريته، وهو حاضر بمعنى انه مواطن، يملك كل الحقوق الا حقه في وطنه، اي لا يملك شيئا.
قانون برافير يفتح الملف بأسره، لأن الذي تابع مصادرة الأراضي بوحشية بعد تأسيس الدولة الصهيونية، لا يقوم اليوم، سوى باكمال المهمة في النقب!
وهنا فان مسألة النقب ليست قضية خاصة بفلسطينيي 1948، انها قضية وطنية عامة، لذا اعجب كيف لا يثير الذين يتفاوضون اليوم مع السيد كيري على استئناف ما يسمى ب ‘مفاوضات السلام’، مسألة مخطط برافير، ولو في سياق انقاذ ماء الوجه.
استمرار اسرائيل في سياستها النكبوية خلف الخط الأخضر، هو مؤشر على ان السياسة نفسها سوف تستمر في الضفة الغربية. حتى الاستسلام، لم ولن يكون وسيلة لاقناع اسرائيل بالتوقف عن جوعها المزمن الى الأرض الفلسطينية.
اما وزير الخارجية الأمريكية، فإنه لا يقدم للسلطة الفلسطينية، التي يقوم بدفعها الى مائدة المفاوضات، سوى الأوهام ورشوة صغيرة.
شجاعة فلسطينيي 1948 في التصدي لمخطط برافير، يجب ان تكون بداية صحوة فلسطينية عامة. فبرافير لن يسقط الا اذا تم التصدي له في القدس ونابلس والخليل الى جانب بئر السبع وسخنين وام الفحم والناصرة.
انها معركة طويلة.
والمعركة تبدأ باستعادة الوعي الفلسطيني قدرته على فتح ملف النكبة من أساسه.
والملف يبدأ من نقطة واحدة: يجب ان تتوقف النكبة اولا وقبل أي شيء آخر، اي يجب ان تتوقف عملية مصادرة الأراضي وطرد السكان والاستيطان المتوحش في كل فلسطين.
من هذه النقطة على العمل الوطني الفلسطيني ان يبدأ في ترتيب استراتيجيته من جديد، وفي بناء أولوياته داخل افقه المقاوم.
هكذا يبدأ التصدّي للنكبة المستمرة.
وهذا بالطبع يحتاج الى انتفاضة جديدة، تتعلم من دروس الانتفاضتين، وتعيد وصل جميع اجزاء الشعب الفلسطيني بأرضه وقضيته.
وهذه مسألة تنتظر ولادة قيادتها، وبلورة رؤيتها.

السابق
تحديات القرار الأوروبي : أي سيناريو في لبنان
التالي
حرب وشيكة على حزب الله