قوى بلا.. هالات

لا ندري كم لا يزال اللبنانيون يهتمون بمصير المعسكرين العريضين لقوى 14 آذار و8 آذار في ظل ملامح الوهن الضاربة في صلب تركيبة كل منهما ولكن ثمة ما لا يزال يستدعي اطلالة على واقع قد لا يكون سلبيا في نهاية المطاف كما يتراءى للكثيرين. هو واقع تتصاعد معه ملامح الانهاك على المعسكرين بالدرجة الاولى وما بينهما من قوى اخرى بعدما ارست معادلة التورط الثقيل لـ”حزب الله” في الصراع السوري معادلة الحرب الناعمة او الباردة في لبنان وجعلته اقرب الى ساحة تتراقص على شفير الهاوية من دون ان تهوي الى القعر.

لا يمكن اي فريق لبناني اليوم ان يزهو او ان يمضي في غطرسة الزعم انه لا يزال يحتفظ بعوامل قوة مماثلة لما كان عليه الامر لدى اندلاع الازمة السورية وقبل ان تقتحم مضاعفاتها بقوة الساحة الداخلية بكل انواع الانعكاسات الامنية والسياسية والاجتماعية والاهم الاهم المذهبية. ولعل الضارة النافعة الكبرى التي بات يمكن اشهار الكلام عليها من دون اي تحفظ او مداراة هي ان الاغراق غير المسبوق في الحساسيات المذهبية وحساباتها التفصيلية التي بلغت حد شل المؤسسات الدستورية والتهديد بانسحابها على المؤسسات الامنية والعسكرية قد حوّل القوى السياسية هياكل متآكلة بدورها لا دور حيويا لها سوى خدمة العبث المذهبي المدمر. مثل هذا الواقع المنذر بالتطور السرطاني نزع عن القوى اللبنانية للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف تلك الهالة التي كانت لا تزال تغلف اللعبة السياسية حتى الامس القريب. ومع ان التعميم سيكون جائرا هنا بين فريق 14 آذار وفريق 8 آذار لجهة تمايز اساسي لمصلحة الاول من حيث ادبياته وممارساته في شأن مشروع الدولة في مقابل تسبب الفريق الثاني غالبا بشل المؤسسات والاستقواء بسطوة حزبه الحديدي المعاند في تورطه في سوريا مع كل الكوارث المتسبب بها لنفسه والبلاد، فان ذلك لا يعني تنزيه الفريقين بدرجة عالية عن المساواة في الهبوط باللعبة السياسية من معايير كان يجب الحفاظ عليها مهما كلف الثمن وتجنيب لبنان الانسحاق في صراع مذهبي وقبلي فاقع.

على رغم ان التجارب الماضية مع الرعيل السياسي السابق قد تظهر ما يفوق سلبيات رعيل هذا الزمن فان احدا لا يمكنه ان يتنكر مثلا لحقيقة ان المارونية السياسية صنعت اطارا للعبة السياسية لم يقوض دعائم الدولة او يرسي قواعد من خارج المألوف بالمقدار الذي تجتاح فيه اليوم المعارك المذهبية السافرة او المقنعة مفهوم السياسة والاجتماع والمؤسسات والشارع سواء بسواء. ولئلا يتراءى للبعض ان طرح هذه المعادلة يرمي الى تحصيل حقوق المارونية السياسية التي اخضعت لمحاكمات طويلة بعد اندثار عهدها لا ترانا في حاجة الى اثبات المثبت وهو انه لو كان الدور المسيحي على مستوى تلك الايام لما كان العصف المذهبي وصل الى حدود الاطاحة بكل شيء. 

السابق
“السفير”: سلام ينتظر نتائج اجتماع “المستقبل” في السعودية
التالي
“المستقبل”: “حزب الله” يتحرّش بـ”اليونيفيل” عشيّة القرار الأوروبي