أزمة الحريري الماليّة تتجـدّد

«سعودي أوجيه» تبدو كبئر بلا قرار، وسوء أوضاعها ينعكس من جديد شحّاً على مؤسسات الرئيس سعد الحريري في لبنان. شحّ له انعكاساته السياسية، فيما يبدو التيار في شبه غيبوبة، بين مجموعة من المزايدين عليه سنّياً. بين ضغط المال والسياسة، أفضل طريقة لإعادة الحريري من غيبته هي أن تُحمل كتلته النيابية إليه ليرأسها

مع بداية شهر رمضان، «غرّد» الرئيس سعد الحريري على موقع تويتر بتهنئة للبنانيين والمسلمين لمناسبة «حلول الشهر الفضيل». الرّد الأول على تهنئته كان من أحد «المتتبّعين» لصفحته، وقد جاء على شكل «تغريدة» طالبت الرئيس المهاجر بـ«توفير أموال موظفيه في لبنان بدل التسكّع على مواقع التواصل الاجتماعي».
تغريدة الحريري لا تشي بالتسكّع أبداً. فهو، منذ ألزم نفسه بالمنفى، لا يجد سوى مواقع التواصل الاجتماعي للإطلال على جمهوره. لكن تعليق «المتتبع» يوحي بأن الأمور المالية لـ«الشيخ سعد» لا تزال «ملخبطة». فقبل أقلّ من شهر، سرّحت شركة «سعودي أوجيه» أكثر من 20 موظفاً جديداً، بحجّة أن المملكة العربية السعودية لم تعُد تُسهّل عملية تجديد الإقامات، و«باتت تفرض على الشركات توظيف أشخاص مقيمين بنحو دائم، والأفضل أن يكونوا من الجنسية السعودية».
باختصار، يؤكّد عارفون أن الرجل لا يزال في «ورطة» مالية. الجواب الوحيد لدى هؤلاء عن الوضع المادي لشركة «سعودي أوجيه»، أن ميزانية المملكة العربية السعودية بكلّ «ذهبها الأسود» قد لا تكفي لإخراج هذه الإمبراطورية من «عسرتها». رئيس الحكومة السابق لا يزال ينوء تحت وطأة «الديون». إداريو «سعودي أوجيه» كمن يُصفّي المياه في الغربال. بعض «المتفائلين» من تيّار المستقبل يؤكدون أن المؤسّسة «تسير كالسلحفاة». تتقدّم، ولكن ببطء شديد. ولكن، بحسب مقرّبين من الشيخ، لا يُمكن «إصلاح ما انكسر». ومهما «كبّت» السعودية في هذه البئر من مساعدات «فلن تستطيع إزالة سواد الفساد الإداري فيه».
خطأ الوريث السياسي والمالي، أن قلّة خبرته صوّرت له المحيطين به «زاهدين في الدنيا». كان يكفي الرجل أن يزور «مملكته» وأن يرصد سيارات بعض المديرين، لتتبيّن له صحة المثل القائل «المال السايب بيعلم الناس السرقة». مشكلة «سعودي أوجيه» يُمكن أن تجبر مالكها على البقاء خارج لبنان تحت حجّة الخطر الأمني، ما دام جيبه «مفخوتاً». الأمر الذي ينعكس سلباً تارة على مؤسساته في لبنان، وطوراً على مواقفه السياسية ونسبة التفاعل معها في الشارع السنّي. العلاقة بين المالي والسياسي، تؤكّدها مصادر مقرّبة من التيار، إذ تشير إلى أن «نحو 20 شخصاً ممن قاتلوا إلى جانب الشيخ أحمد الأسير في صيدا كانوا يعملون في سعودي أوجيه في الرياض قبل طردهم منها». علماً أنه «كان لأبناء صيدا الحظ الأوفر» من عمليات الطرد السابقة التي شهدتها الشركة.

شهر فضيل بلا معاشات

الأزمة المالية عادت لتؤرّق موظفي بعض المؤسسات الزرقاء في لبنان. موظفو تلفزيون المستقبل، مثلاً، ينتظرون رواتبهم التي لم يقبضوها بعد منذ نهاية الشهر الماضي. علماً أننا في «الشهر الفضيل» الذي حرص الحريري على التغريد مهنئاً بحلوله، وعلماً أن في نهاية الشهر الكريم هذا عيداً يحتاج الاحتفال به إلى نفقات ومصاريف. داخل المؤسسات الزرقاء حال ازدراء ويأس بدأت بالتفاقم، يُشكّل الضيق المالي جزءاً بسيطاً منها. فعلى صورة الإدارة الفاسدة في «سعودي أوجيه»، تسير الإدارات في أغلب المؤسسات. موظفون في التلفزيون يشكون من تراجع مخيف في نسبة المشاهدة لمحطتهم. يلفت هؤلاء إلى كميّة كبيرة من البرامج الفاشلة، المستنسخة عن برامج أجنبية، لم تنجح في استقطاب المشاهدين، مع العلم أن «سبب تأخير دفع الرواتب يعود إلى صرف الأموال على برامج شهر رمضان»، بحسب ما تبلّغ العاملون في المحطّة. «يوسوس» موظفون بعضهم في رؤوس بعض، محمّلين مسؤولية هذا الفشل لـ«عيّنات» تعمل في مؤسسات الحريري، تقبض ولا تنتج وتتمتّع بالخيرات. موظفون يؤكدون أن المدير العام رمزي الجبيلي لا يأتي منذ مدّة، تحاشياً لمواجهتهم، كما أن عدداً منهم بدأ يتغيّب عن دوامه، بسبب عدم قدرته على تحمّل المستحقات التي عليه دفعها خلال القيام بعمله كدفع بدل النقل مثلاً. يغمز العاملون من قناة «الست بهية» التي تسارع إلى دفع التعويضات في صيدا وتوكل محامين وتدفع تكاليفهم لإخراج موقوفي الأسير «فيما لم نحصل على قرش واحد من رواتبنا منذ شهرين».
ليس التلفزيون وحده من يُعاني سوء الإدارة. المنسّقيات، التي خضعت أخيراً لعملية استئصال كوادر وزرع كوادر أخرى، بدا كأنها لم تتحمّل أكثر من بضعة أشهر من التنظيم، قبل أن يصيبها الوهن من جديد. وسرعان ما نبت فيها، بعد إعادة الهيكلة، صراع من نوع جديد في مبنى سبيرز، حيث كان فريق العمل يسير على قدم وساق لإعادة شدشدة التيار. الخطوة التي حقّقت صدمة إيجابية في البداية، باتت آثارها على طريق الذوبان بعدما بدأ رؤساء هذه المنسقيات والمسؤولون «حرباً» جديدة؛ إذ أن كلاً منهم يريد أن يكون «ديكاً» على منسّقيته. يُلغي «خصماً» أو يقوّي «مناصراً». عدد منهم «ورم» رأسه ولم يعُد يرى في التيار كبيراً، فيتصرّف وفقاً لمصلحة شخصية أو خدمة لعلاقات ينسجها على ظهر «المستقبل». أما عملياً، فلا تقدّم جاداً حقّقه المنسّقون أو فرق عملهم. بات هؤلاء، بحسب تشبيه بعض أهل الدار، أشبه بمن يصرّف الأعمال بعد «شبه استقالة» الحريري من منصبه رئيساً لتيار المستقبل.
شبه الاستقالة الحريرية أدخلت التيار في حال من الكوما. وصعود الإسلام السياسي في العالم العربي لم يعد يترك للحريري وحده نعمة النجومية على الساحة السياسية السنية، بل باتت حركات إسلامية كثيرة ومشايخ كثيرون ينافسونه في أكثر من عقر دار له، ويقاسمونه على جمهوره. لم يكن ممكناً، قبل سنوات قليلة، أن تُنزع صورة «ابن الشهيد»، كما حدث قبل أسابيع في طرابلس، من دون أن يراق على جوانبها الدم. «نهج الاعتدال» الحريري يصبح مجرد هرطقة في ظل طغيان الهلوسة على كل البلد، وخصوصاً منذ حرب الجيش وجماعة الأسير، في صيدا.
زائرو الحريري في الرياض، يؤكدون أن «أعماله التجارية في الرياض تأخذ كل وقته»، أما السياسة «فلا يتحدث فيها إلا نادراً عندما تفرض عليه الجلسات مع الشخصيات التي تقصد قصره الولوج فيها». تغريداته السياسية من وقت لآخر لا توحي بشبه انفصال عن الجمهور، وحتّى مع نواب كتلته. في التيار حديث مطوّل عن موقف الحريري من التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. يستغرب كثيرون كيف يُمكن أن يعلن موقفاً كهذا، فيما الشارع السني معبأ ضد «الجيش وما فعله عناصره في عبرا»، وضد «سماح المؤسّسة العسكرية لحزب الله باستباحة بيوت الناس في صيدا من دون أن تُحرّك ساكناً». بدا يومها وكأن كل من في التيار يطلب ثأراً من الجيش، فيما زعيم المستقبل وحده يسبح عكس تياره مطالباً بالتمديد لقهوجي على رأس المؤسسة العسكرية.

السابق
تشكيلات أمنيّة لايت
التالي
هل نجح السنيورة في اقناعهم بعريضة عزل قباني؟