«سحور» تلفزيوني… يقود إلى مداهمة وتحقيق

 هو برنامج تلفزيوني عراقي يُبثُ طيلة شهر رمضان. اسمه «سحور سياسي» وتنتجه محطة «البغدادية» من إعداد عماد العبادي وتقديمه. وفي إحدى حلقاته حلّ فيه زعيم «حزب الله» في العراق واثق البطاط، ضيفاً.

صرح البطاط بقدراته العسكرية، وموقفه السياسي من النظام، والخلافات الطائفية بين السنّة والشيعة. صرح، أيضاً، بعديد عناصر ميليشيا «حزب الله» التي يقودها، وهي المعروفة في البلاد باسم «جيش المختار».

وكانت الساعة التلفزيونية المخصصة للحوار خَلُصَت إلى ثلاث أفكار رئيسة، أولاً «لن ينتظر (البطاط) القضاء والحكومة ليقتصا من «الأعداء»، هو من يتكفل بقتلهم». قال عن هذا «والله لو تعلق «العدو» بأسوار الكعبة سأجلبه وأقتله». وثانياً، قال إن «الميليشيا التي يقودها، تضمُّ مليون مقاتل… وفي الإمكان زيادتهم إلى أضعاف هذا العدد بكثير». وثالثاً، يؤمن زعيم «حزب الله» بأن «الديموقراطية نظام سياسي خاو، لا يقوى على تأمين حاجة المضطهدين في البلاد».

وما بين سطور الحوار الذي عدّه صحافيون ومراقبون سبقاً، ومواقف بمنزلة الصدمة، تحدث البطاط عن «امتلاكه جهاز استخبارات أقوى من الجهاز العراقي الرسمي، ويقوم بتزويده بالمعلومات»، وأنه «ينسق مع ضابط كبير في الحكومة»، كما أن الأخيرة عرضت عليه منصب لواء في الجيش، وهو الذي سبق أن درس في كلية عسكرية في إيران، بالتزامن مع دراسته الدينية «في الحوزة».

أكثر من ساعة كانت فريدة من جهة ما تضمنته من مفاجآت عن النظام السياسي في العراق – كما وجدها معلقون وسياسيون عراقيون – وعن الطريقة التي تتشكل فيها الصراعات السياسية، على الأرض بين الفصائل العقائدية.

لكنّ المادة التلفزيونية التي قيل إنها حظيت بمشاهدة عالية من النخبة السياسية في البلاد، انتهت بحلقة أخرى من الدراما التي لم تقل إثارة عما دار في الحلقة من حوار.

كان العبادي، وفريق برنامج «سحور سياسي»، يخرج من مكان التصوير «السري»، بعد نهاية الحوار التلفزيوني الذي بث على الهواء مباشرة. وقال أحد أعضاء الفريق إنه «تحرك باتجاه المحطة، في شارع أبي نواس، وسط بغداد، برفقة ثلاث عجلات، كان من بينها واحدة تابعة لزعيم «حزب الله»، لأن الوقت متأخر جداً للتجوال في العاصمة بسبب حظر التجوال.

وصل الفريق الإعلامي إلى مقر القناة، وهناك كانت 30 عجلة عسكرية مدرعة تطوق محطته.

بدأت القوة العسكرية بتفتيش المحطة، والتدقيق في بطاقات عمل الصحافيين والفنيين فيها. ثم احتجزت عناصر فريق برنامج «سحور سياسي»، للتحقيق معهم.

قال أحد المشاركين في تصوير الحلقة إن «التحقيق دار حول معرفة المكان الذي كان البطاط يوجد فيه، وأن القوة تحركت إلى المحطة الفضائية لأن ضابطاً رفيعاً في وزارة الداخلية انزعج من حديث زعيم «حزب الله»، بخاصة عندما تحدث عن التنسيق معه في بعض المواقف السياسية والأمنية في بغداد».

وقال البطاط عن هذا التنسيق، في سياق الحوار في برنامج «سحور سياسي»، إنه «على اتصال مباشر بوكيل وزير الداخلية عدنان الأسدي وكانا اتفقا على إطلاق تظاهرة في منطقة جسر ديالى (جنوب بغداد) تضم عشرة آلاف عنصر من جيش المختار»، قبل أن يستدرك قائلاً إن «الأسدي اتصل به في وقــت لاحــق وأبلغه بالانسحاب».

التحقيق انتهى، وأفرجت القوة العسكرية عن أعضاء فريق البرنامج التلفزيوني، لكنّ تداعيات الحادثة لم تتوقف، خصوصاً لجهة حرية الصحافة.

مرصد الحريات الصحافية في العراق طالب الحكومة العراقية بـ«التحقيق باستغلال وكيل وزارة الداخلية منصبه الوظيفي وتحريكه قوات أمنية تابعة لمكتبه لمداهمة مبنى «البغدادية» ومحاصرته واحتجاز صحافيين أكثر من ساعة والتحقيق معهم من دون أمر قضائي ومسوغ قانوني».

ونصح المرصد، الذي يهتم بملاحقة حالات التضييق على العمل الصحافي، «الأجهزة الأمنية بالتمييز بين التغطية الإعلامية والصحافية وبين ملاحقة الميليشيات والخارجين عن القانون، والابتعاد عن استغلال الضرورات الأمنية لترهيب الإعلام».

البرنامج الذي انطلق قبل ثلاث سنوات، حافظ على ميزته في إثارة الجدل حول نوعية الضيوف وما يصرحون به. لكن حلقة واثق البطاط، زعيم جيش المختار، كانت مادة، وفق مراقبين، تتيح اكتشاف الكواليس العراقية، إذ إن ما صرح به البطاط لم يكن قبل الحلقة في الشارع العراقي، سوى حديث عن الأساطير والأشباح.

 

السابق
إيران ترفض جهود كيري السلمية وتدعو المقاومة الى الوقوف امام المؤامرة الجديدة
التالي
هكذا يشوّه فايسبوك أفكارنا.. ولغتنا!