شكرا لك يا اوروبا

. فقد نجحتِ بقرار اداري واحد في زعزعة سكينة اسرائيل التي لا تطاق. وضعضعتِ غرور اسرائيل وصلفها اللذين يريان ان موقف العالم كله ليست له صلة بها البتة، بقرار اداري واحد يقتضيه الواقع ولا يوجد ما هو أكثر عدلا منه.
إن ردود اسرائيل الاولى على قرار الزام اتفاقات اقتصادية معينة معها لزوم عدم النشاط في المستوطنات، متوقعة وآلية لكن بعد أن تزول موجة تبجح ان اوروبا لن تُملي علينا، والدعوات القديمة الى منعها من مساعدة الفلسطينيين، والدعاوى الصبيانية التي تقول ‘الوضع في سورية اسوأ’ والحجة الأسخف وهي ان القرار الاوروبي يشوش على تفاوض جون كيري بعد ان يزول كل هذا الزبد ستبقى اسرائيل مع مصيرها أمام المرآة التي وضعتها اوروبا أمامها، وازاء المفترض المصيري الذي عرض لها في آخر الامر في طريقها: أفتستمر على الاحتلال وتدفع عنه ثمنا لا يحتمل، أم تضع له حدا بتأخر فاضح وتعود الى حضن أسرة الشعوب مثل عضو شرف.
استيقظت قارة التنوير والحضارة والفظائع متأخرة، فهي تتحدث منذ سنين ولا تفعل شيئا. والرأي العام فيها كان عاصفا منذ سنين وكانت حكوماتها مشلولة بسبب فظاعات الماضي والخوف من الولايات المتحدة. إن الذين يتظاهرون بأنهم متفاجئون بعد قليل ستنشأ لجنة تحقيق في ‘تقصير’ السفارة في بروكسل يبرهنون فقط على مبلغ عظم الانفصال عن الواقع الدولي والعمى الذي سيطر على الحكومة وعلى الرأي العام هنا. يمكن بالطبع تهديد اوروبا كجرذ يزأر، ويمكن ان توعظ بالاخلاق بسبب مظالمها، لكن ذلك متأخر جدا أيها الاصدقاء. فلم يعد أحد يستطيع ان يتناول ذرائع اسرائيل بجدية. وينبغي ان نأمل فقط ان يكون القرار الاوروبي هو السنونو التي تبشر بمجيء الخريف: خريف الاحتلال.
إن اوروبا لا تشوش على تفاوض كيري، بل تجند نفسها لمساعدته خاصة. ولذلك فان رد يئير لبيد هو الأكثر دحضا لأن لبيد اشتكى من ‘التوقيت السيئ’ الذي هو ذريعة الجُبناء الى الأبد الذين يرون ان كل توقيت من اجل التغيير سيئ من وجهة نظرهم وأن القرار ‘سيضر بجهود التفاوض’. أي تفاوض وبماذا سيضر؟ هل بأنه قد يفضي الى وعي اسرائيل؟ والى تليين موقفها؟ فبعد ان أصبح واضحا ان الحكومة لا تنوي ان تتخذ خطوات حقيقية تفضي الى انهاء الاحتلال، وبعد أن أصبح واضحا أن كل الاحتلال هذا لا يعني الاسرائيليين جاءت دعوة الاستيقاظ الاوروبية في أصح توقيت تقريبا قبل ان يصبح ذلك متأخرا جدا. وينبغي ان نأمل الآن فقط ألا تقف اوروبا عند هذا القرار الضئيل وألا تردعها ‘تهديدات’ اسرائيل.
ليس حق اوروبا فقط ان توقف دعم الاحتلال بل هذا واجبها. فمن الواجب على القارة ان تفعل كل ما تستطيع كي تنهي الظلم المستمر. وهذا واجب على العالم كله ومنه الولايات المتحدة التي لا تفعل شيئا. لا تستطيع اسرائيل ان تفخر بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأن تقارن نفسها في نفس الوقت بسورية التي هي اسوأ منها؛ وأن تتظاهر بأنها نظام حكم مستنير وأن تخفي في ساحتها الخلفية نظاما ظلاميا. إن من يعتقدون ان الحديث عن ظلم مستمر يعاني ضحاياه كل يوم يجب عليهم ان يستعملوا كل وسيلة لانهائه. ويشمل هذا حكومات وأفرادا واسرائيليين ايضا يعلمون انه لم تعد توجد طريقة اخرى سوى الضغط من الخارج. فالذي يبدو مثل ظلم ويسلك سلوك الظلم ويقرقر قرقرة الظلم هو ظلم. والذي يريد انهاءه يجب عليه ان يستعمل كل عمل سوى العنف كي ينهيه.
ما زالت النهاية بعيدة. فستستمر اوروبا كعادتها في الخطو خطوة الى الأمام واثنتين الى الخلف. وسيحذر زعماؤها ألا يضروا باسرائيل كثيرا، وحتى لو تحقق القرار فان ضرره سيكون تصريحيا في الأساس. لكن الاتجاه واضح والصفقة واضحة وهي ان الاحتلال الاسرائيلي سيُلصق به منذ الآن ملصق سعر. فهل توجد أنباء أفضل من هذه؟

السابق
حينما لا يمكن التأثير يمكن التشويش
التالي
الشرق الأوسط عبارة عن جدار من الصعوبات