ايران: رئيس جديد ولحن قديم

نشهد في الآونة الاخيرة ظاهرة أصبح من الصعب معها على الادارة الامريكية ان تفهم الواقع في الشرق الاوسط، مرة اخرى. وللامريكيين سجل غني في هذا المجال وسلسلة خيباتهم في الشرق الاوسط تبدأ بخمسينيات القرن الماضي مع اسقاط رئيس الوزراء الايراني الدكتور محمد مصدق، وتنتقل الى افغانستان في 1979 والى ايران في السنة نفسها، مرورا بحرب ايران للعراق، والحروب مع صدام حسين وتأييد ياسر عرفات واتفاق اوسلو الى مواجهة ايران واحمدي نجاد والربيع العربي ومصر.
لم تقرر الادارة الايرانية بعد كيف تنظر الى الاحداث العظيمة الأهمية التي تقع في الشرق الاوسط صباح مساء، ويصعب ان نفهم هل هذه في واقع الامر هي السياسة على مذهب اوباما أم أنهم لا يعرفون ما يفعلون في الحقيقة ولمزيد الخيبة. إن الامثلة كثيرة واليكم قلة قليلة فقط: التلعثم بازاء ما يجري في سورية، وتلعثمهم ازاء ما يجري في مصر، ألم يقل كيري: ‘لم نجد الى الآن المصطلح المختص: أهذا انقلاب عسكري أم مجرد تغيير وضع سُجل في فيس بوك الجمهورية المصرية’؛ وتدخل حزب الله في سورية، وقضاء الجيش المصري على الارهابيين (في ظاهر الامر) في سيناء.
إن مهمة حياة اوباما كما يبدو هي ان يرهق مبعوثه الى الشرق الاوسط جون كيري، ببعثة لا بقاء لها البتة وهي محاولة يائسة لاقناع رئيس السلطة الفلسطينية بعمل جسمي سهل جدا وهو الجلوس للتفاوض. ولا ينجح هذا الى الآن نجاحا حسنا، لكن ما تنجح الولايات المتحدة في فعله هو ان توجه إصبعا قد تكون إصبع اتهام الى عمليات منسوبة الى اسرائيل موجهة على مخازن سلاح وصواريخ بحرية في اللاذقية. لكن يبدو فوق كل شيء ان الولايات المتحدة فشلت في أوضح مكان في ادارة سياستها الخارجية في الشرق الاوسط، أعني ايران. ولماذا؟.
يفترض ان يدخل الرئيس الجديد روحاني في الشهر القادم مكتب الرئاسة في طهران بدل احمدي نجاد وأن يُدبر الامور التي تبدو عادية في ظاهرها للجمهورية الاسلامية، من هناك. أما الأخير الذي لم يترك مكتبه بعد فيجهد في عرض انجازاته الممتازة التي تشمل في المقدمة إنكار المحرقة والشأن الذري بعد ذلك. وقد أصبح روحاني في المقابل وقبل ان يدخل مكتبه يعلن كيف ستُصرف سياسته الخارجية الجديدة. إن روحاني باعتباره كان في الوفد الايراني لاجراء التفاوض مع القوى الكبرى في درجة تخصيب اليورانيوم لا يوجد له مثيل في الجمهورية الاسلامية كلها لأنه يعلم كيف يتصرف في هذه الساحة الدبلوماسية. فما كان هو ما سيكون من وجهة نظري أعني التضليل والتسويف مع القوى الكبرى في حين تتلعثم هي ولا تتحد على رأي فيما يتعلق بدرجة تخصيب اليورانيوم، وفي وقت وقعت فيه قوتان كالصين وروسيا على شهادة تأمين الجمهورية من كل عمل متسرع متعجل من الولايات المتحدة واوروبا يوجه على منشآت ايران الذرية. والى ذلك يُجهد الرئيس الجديد نفسه في ابلاغ سورية وحزب الله أنهما ليسا وحدهما وأن ايران ستستمر في دعمهما سياسيا وعسكريا الى أن يسقط النظام الصهيوني.
إن السياسة الخارجية الجديدة التي يأتي بها الرئيس روحاني وهي تلك البشرى الجديدة الباسمة التي يترجمونها في الولايات المتحدة بصورة اشتراطية بأنها ابتسامة ليّنة ناعمة وكأن روحاني هو سانتا كلوز هي اسلوب سياسة احمدي نجاح الخارجية لكنه أكثر تطورا. والنظرة للولايات المتحدة ولدولة اسرائيل لن تتغير بل على العكس قد تحصل على صبغة دينية أكثر مسيحانية. وسيبقى من المصلحة الواضحة للجمهورية الاسلامية في سياستها الخارجية مع سوريا وحزب الله ان تحافظ على هذين الكيانين وكيلين لها في الساحة القريبة من اسرائيل. لكن من المهم ان نذكر ان حقيقة ان الولايات المتحدة نائمة ولا تترجم الواقع في الشرق الاوسط ترجمة صحيحة ليست من وجهة نظر ايران ضمانا لنجاح ايران في الساحة المحلية. إن ‘السقوط’ (المؤقت) خاصة للاخوان المسلمين في مصر وضعف حزب الله واستنزافه في لبنان وسوريا وخفوت الأثر الاسلامي في المنطقة، ستفضي بايران الى صوغ سياسة خارجية أكثر براغماتية مع العالم العربي منها مع اوروبا والولايات المتحدة.

السابق
حكومة انتقالية وزلزال سياسي
التالي
بماذا تشير اسرائيل لايران