عدوى المخالفات تتمدد ومخيم البرج صار ابراجا

 

البناء العشوائي داخل المخيمات الفلسطينية، أزمة جديدة تُضاف الى لائحة مخالفات تنذر بكارثة متشعبة الوجوه كجزء من حالة فوضى عارمة تتحول معها المخيمات الى عشوائيات خارجة عن القانون

المشهد للعلن أصبح واضحاً، أبنية تتخطى طوابقها السبعة، ازدادات بنسبة 30- 25 % بشكل عمودي منذ حوالى السبعة أشهر والى ازدياد تزامناً مع توافد النازحين الفلسطينيين- السوريين الى لبنان حيث الحاجة أصبحت ملحة الى مساكن جديدة إثر تخطي سعر ايجار منزل يكاد ان يفتقد الى أدنى معايير السكن في بعض المخيمات الـ400 دولار أميركي. إذاً، أزمة ايواء قد تتفجر في وجه الجميع، مع فقدان سلة حلول تواكبها، حيث تضيق الابنية الجديدة بمساحتها، كل المعطيات تشير الى ارتفاع نسب احتمالية سقوطها على رؤوس أبنائها. ومن الامن الاجتماعي الى السياسة، حيث كل بناء عشوائي جديد تقابله تعمية سياسية تتجلّى في غض النظر الاجباري لدوريات قوى الامن الداخلي عن مخالفات المخيمات لاسباب سياسية تُسير الطرفين على أهواء الموجة ذاتها، وهذا ما يؤكده مصدر مقرّب من التنظيم المدني لـ"صدى البلد". ملف ينذر بالاسوأ طالما انّ الوتيرة الى ارتفاع، نضعه برسم المعنيين، أقلّه ان علموا بوجود هذه الظاهرة.


"برج البراجنة" نموذجاً

يكاد لا يحتاج المرء الى الدخول الى مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لاكتشاف فوضى البناء العشوائي داخله، حيث الأبنية المرتفعة تبدو واضحة الى العيان من الخارج وكأنّها ناطحات سحاب قائمة في مواجهة ما يُعرف بقانون "ارتفاق المطار الجوي" الذي ينص على عدم تجاوز ارتفاع الابنية المجاورة للمطار الاربعة طوابق. لا ينكر أبناء المخيم وقياداته ازدياد البناء العمودي بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة، بعضهم من حمل الاسباب الى الدولة اللبنانية التي "حرمت الفلسطينيين من حق الملكية"، فساهمت في اعمار فوضى، يعلمون انّها قد ترتد يوماً على جميع أبناء المخيم بقرار سياسي يقتضي بـ"هدم البناء العشوائي".

أن تسأل أبناء مخيم برج البراجنة عن زيادة أعمال البناء يجيبون ببساطة "نريد أن نزوج أولادنا… أين سيسكنون؟"، لآخرين منهم اهداف تجارية نمّاها توافد النازحيين. يعزو أبو بدر أمين سر اللجان الشعبية في المخيم في حديث الى "صدى البلد" اسباب فوضى البناء الى الدولة اللبنانية ويطالب باعطائهم حق الملكية، "الدولة جعلتنا نصبح فوضويين، والمستغرب في أدائها انها تنظر الى الخطأ ويكون السكوت رد فعلها…، ولاحقا تأتي لتفتح معركة معنا تحت عنوان اهدموا البناء".


في السياسة والأمن

تشكل الاسباب آنفة الذكر الجزء الاول من فصل يُضاف الى ملف الامن الاجتماعي داخل المخيمات، ليشكل العامل السياسي سبباً آخر، حيث الاوضاع السياسية تفرض تغطية سياسية تجعل دوريات قوى الاستقصاء التابعة لقوى الامن الداخلي تغض الطرف عمن يشاركون التيار "الازرق" في أهوائه السياسية، بخاصة انّ المخيمات تخضع الى أمن ذاتي يجعل النظر اليها كعشوائيات خارجة عن القانون واجباً.

مقاربة يرفضها أبو بدر معلقا "المسألة ليست بالسياسة، كلو تعباية جيبة"، هي مصلحة الجيبة التي لا تخرج عن كونها مرهونة بقرارات سياسية ايضاً "نحن مع القانون، ولكن قرارا سياسيا في آخر المطاف لن يرحمنا نحن الضيوف".

يمنع على الفلسطينيين البناء داخل المخيمات الاّ بعد الحصول على رخصة من البلدية التي يقع المخيم ضمن نطاقها الجغرافي، اضافة الى اجراءات اخرى لها صلة بمراقبة قوى الامن الداخلي لعميات البناء وكذلك يتوجب الحصول في حالات كثيرة على ورقة موافقة من الجيش يسمح من خلالها بادخال مواد البناء الى المخيم، ولكن الفلتان الامني والسياسي، الذي تعانيه البلاد يجعل من كل ممنوع مرغوبا وعلى الطريقة اللبنانية دائماً. واذا كانت المخيمات اساساً لا تتسع بسكانها الاصليين، فكيف بالحال اذا تخطت نسبة البناء الثلاثين بالمئة؟.


خصوصية "عين الحلوة"

"لمخيم عين الحلوة خصوصيته" يرفض عضو اللجنة الشعبية عدنان الرفاعي الحديث عن ظاهرة بناء عشوائي داخله حيث لا تزيد أبنيته عن ثلاثة طوابق فقط، ويؤكد لـ"البلد" انّها لم تُبن لاي اهداف أو مصالح شخصية تزامنت مع دخول النازحين وانما "الناس يبنون لأولادهم". يشير الرفاعي الى انّ مخيمات الجنوب تخضع للرقابة أكثر ولا يمكن لأحد البناء الاّ بعد الحصول على رخصة وكذلك ورقة موافقة من الجيش اللبناني لادخال مواد البناء، ولا يكون ذلك الاّ تحت اشراف اللجنة الشعبية والاونروا، "باختصار بالجنوب في قوانين أكثر".

يؤكد الرفاعي "في المخيم عمليات صيانة وترميم فقط، منذ فترة وجيزة وقع سقف على رؤوس قاطنيه… والناس يشكون لعدم حصولهم على تراخيص تسمح لهم بالبناء او اعادة الترميم، ويبقى ذلك ضمن السيطرة ولا مجال للحديث عن استثناءات". يتخوف الرفاعي من مجرد تسليط الضوء على القضية، ليس لاسباب سياسية كما أشار وانما "هكذا سيزيدون من الاجراءات المشددة لعدم تسهيل اعطاء الرخص". وفي المقابل يؤكد المصدر ان اراضي كثيرة تقع على تخوم مخيم عين الحلوة تمت مصادرتها من قبل الفلسطينيين للبناء عليها، "فكيف هي الحال مع عمليات البناء في داخل المخيم الذي يحكمه الامن الذاتي؟".


يهدد البناء العشوائي السلامة العامة داخل المخيمات، "الناس ما بتفرق معها" ، يريدون السكن دون الاخذ في الاعتبار البنى التحتية المتآكلة وكذلك عوامل الشتاء أو اي هزات طبيعية أو غير طبيعية، يشير أحدهم الى انه "يمكن لمرور طائرة واحدة فوق علو مرتفع عن المخيم ان يؤدي الى مجزرة حقيقة… ستقع الابنية على رؤوسنا".

البناء العشوائي داخل المخيمات، يستدعي حاجة ملحة الى التدخل لايقاف عمليات البناء، فهل رصدت الجهات المعنية هذه الظاهرة من ضمن عملية توسعية لها مآرب سياسية في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة حساسة على أبواب معارك قد تتفجر في وجوه الجميع؟… قضية برسم المعنيين.

 

السابق
ماذا لو «بطّل» حزب الله أن يكون حكيماً؟
التالي
مصادر “المستقبل” لـ ”النهار”: حكومة مسالمين لا مقاتلين بالتوازي مع الحوار معناه لا عزل