حكومة “خاضعة” أو لا حكومة!

 حبذا لو يتوقف الكذب والتكاذب، لو يكف الوسط السياسي عن هذا اللغو اليومي في شأن الحكومة، تأليفاً وتركيبة واسماء وثلثا ضامنا لاستمرار نهج الاخطاء والهيمنة. لا تتعبوا انفسكم، لم تعد تركب اي حكومة في هذا البلد اذا لم تكن خاضعة لارهاب السلاح غير الشرعي، واذا لم تكن في خدمة "الحزب الحاكم"، اي "حزب الله"… يا للوقاحة الفجة في مواصلة الانتساب الى "الله" عز جلاله، فيما اصبح هذا الحزب، اسما وصورة وسمعة وتاريخا، ملطخا بدماء اللبنانيين والسوريين.

 

الحكومة المناسبة المثالية، عند "الحزب الحاكم" كانت/ لا تزال حكومة نجيب ميقاتي. هي الصيغة التي توخاها منذ الازمة التي حسمها عسكريا في 7 ايار 2008. لم يكن راضيا عن اداء حكومة فؤاد السنيورة خلال حرب تموز 2006، على رغم انها انقذته، وعلى رغم انه هو الذي ضغط عليها للحصول على وقف لاطلاق النار في الايام الاخيرة للحرب. وغداة "النصر الالهي" عقد العزم على الا تكون حكومة الا اذا كان ممسكا بخيوطها، متحكما بقرارها، وكان هذا هو الهدف الذي حددته دمشق وطهران كي تتصرفا بلبنان، من خلال "حزب الله" بحرية وسيطرة كاملتين. حكومة ميقاتي كانت النتيجة بل الثمرة المتأخرة لتلك الازمة، واصبحت دليلا قاطعا على ان تجاوز نتائج الانتخابات (2009) ممكن، والاهم ان اقصاء تمثيل احد مكونات المجتمع ممكن ايضا.

شكلت الاغتيالات واستعراضات السلاح غير الشرعي وثقافة الفجور السياسي ادوات لانذار المجتمع بكل فئاته، ولفرض حال من الترهيب على خلفية "استقرار" وهمي. ومع انتهاك مكانة الدولة وهيبتها، والتقليل من شأن المؤسسات كافة، ضمن "الحزب الحاكم" لنفسه وضعية "الرابح – الرابح" كيفما تقلبت الاحوال، وعلى خلفية ضعف الآخرين (الشركاء في الوطن) باعتبار انهم غير مسلحين. كانت بوادر الاقصاء لاحت ايام حكومة السنيورة، واتضحت من خلال تعطيل حكومة سعد الحريري، ثم جرى تكريسه مع حكومة ميقاتي. لا يمانع "الحزب الحاكم بالسلاح" ان تستمر حكومة تصريف الاعمال الى ما لانهاية، اذ ان استقالتها جاءته كهدية من السماء عشية انغماسه في دم الشعب السوري. لكن استراتيجية الاقصاء تستلزم على ما يبدو تنشيط مجلس النواب، ليصبح مشرّعا في وجود حكومة مستقيلة، وبذلك يصبح الخروج من "اتفاق الطائف" وروحه امرا واقعا وسابقة محققة.

لا تتوهموا، فـ"حزب الله" الحاكم واتباعه لن يسمحوا لحكومة تمام سلام بأن تبصر النور، الا اذا ضمنوا انها ستعمل تحت السقف الذي اتاحوه لميقاتي. فالاخير اعتبروه حليفا بشكل أو بآخر، اما سلام فيأتي من الجهة التي اقصوها. ولعل ذروة الاوهام ان يراهن احد على اي تغيير في نهج ميشال عون وتياره، فهو مقيد ومتورط سورياً وايرانياً اكثر مما يعتقد المحاولون تقريبه او التقارب معه، اذ كان ولا يزال احدى ادوات مأسسة الاقصاء.

 

السابق
علوش: فشلنا في استيعاب حزب الله
التالي
14 آذار: قليل من الذكاء