الجمهورية: بريطانيا تعمل لإبقاء لبنان بعيداً عن الأزمة السورية

في حمأة الانقسام السياسي الحادّ في البلاد، تجدّد مسلسل العبوات الناسفة الذي يستهدف مواكب لـ"حزب الله" في البقاع في اعتداء هو الرابع من نوعه في هذه المنطقة خلال شهرين، ويأتي بعد نحو أسبوع على التفجير الذي وقع في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث أفاد مصدر أمنيّ لـ"الجمهورية" أنّ العبوة استهدفت مسؤولاً أمنياً في "حزب الله". وتؤشّر هذه الاستهدافات إلى مدى انكشاف الوضع الأمني، فضلاً عن طبيعة المرحلة وخطورتها في ظلّ ارتفاع منسوب التشنّج السياسي الداخلي على وقع تداعيات الأزمة السورية. وفي موازاة ذلك كسرت المواقف والرسائل السياسية التي وجّهها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في أكثر من اتّجاه مساء أمس، رتابة المشهد السياسي. وفيما يدور تأليف الحكومة الجديدة في حلقة مفرغة بفعل الشروط والشروط المضادة التي تحاصر الرئيس المكلّف تمّام سلام، حافظ المشهد في المجلس النيابي على صورته السابقة بفعل عدم اكتمال نصاب الجلسة التشريعية للمرّة الثانية، فحدّد لها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي موعداً جديداً في 29 تموز الجاري.

ذكّر رئيس الجمهورية في خطابه خلال الإفطار الرمضاني الرئاسي السنوي، بما كان توافقَ عليه أطراف هيئة الحوار الوطني في "إعلان بعبدا"، لجهة ضرورة تحييد لبنان عن سياسة المحاور والنزاعات، وتجنيبه الإنعكاسات السلبيّة للأزمات الإقليميّة، وعدم السماح باستعمال لبنان مقرّاً أو ممرّاً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلّحين، ومتابعة البحث في بند الاستراتيجيّة الوطنيّة للدفاع، متسائلاً: "ما عساه الخطب الذي وضع المجموعات اللبنانيّة بمعظمها أخيراً، في مواجهة بعضها بعضاً، وأضفى على لغة التخاطب لهجة التخوين والتهديد، وأطاح الانتخابات النيابيّة، وعطّل نهج الحوار، وسمح لفئات مختلفة ومتعارضة بالانخراط في الأعمال العسكريّة على طرفَي الحدود؟".

ودعا سليمان الجميع إلى "مراجعة نقديّة موضوعيّة لكلّ ما تسبّبوا به عن قصد أو غير قصد، من تشرذم وتأزّم ومخاطر احتراب، قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم". وحضّ جميع الأطراف على "إلتزام إعلان بعبدا قولاً وفعلاً"، مؤكّداً دعمه دور الجيش، داعياً الجميع إلى "إبراز الدعم غير المشروط للمؤسّسة العسكرية الجامعة، والابتعاد عن أيّ شكل من أشكال التحريض على وحدتها وتماسكها، وهي التي اغتسل أبناؤها بدماء الشهادة والتضحية فداءً للوطن". وأعلن أنّه سيطرح للنقاش قريباً، اقتراحاً لتوضيح بعض مواد الدستور، مؤكّداً "أنّ ذلك سيكون على قاعدة توزيع المسؤوليّات، وليس على قاعدة تنازع الصلاحيّات".

ودعا سليمان إلى تسهيل مهمّة الرئيس المكلّف وعدم رفع سقوف المطالب في وجهه، معتبراً أنّ الفراغ أو المراوحة للبقاء في الوضع الراهن لن يكونا أبداً في مصلحة الوطن، ولن يكونا تالياً البديل من تأليف حكومة الوحدة الوطنيّة". وأملَ في أن يدعو في الأيّام المقبلة إلى استئناف اجتماعات هيئة الحوار الوطني، لإعادة تأكيد التزام ثوابت إعلان بعبدا، واستكمال البحث في وضع استراتيجيّة وطنيّة شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه انطلاقاً من التصوّر الأوّلي الذي وضعته لهذا الغرض، وللبحث في المخارج المتاحة للأزمات الراهنة، على قاعدة التعقّل والاعتدال وتغليب مصلحة لبنان العليا على أيّ مصلحة أخرى أو اعتبار.

ورجّح مُطلعون أن تكون رغبة رئيس الجمهورية بدعوة طاولة الحوار إلى الانعقاد في خلال أيام منطويةً على محاولة للتعويض عن تأليف الحكومة الذي تعترضه صعوبات ربّما يريد مَن يقف وراءها دفع الرئيس المكلّف إلى الاعتذار في مرحلة لاحقة.

وتوقّف هؤلاء المطلعون عند نقطة مهمّة وهي أنّ دعوة سليمان الى الحوار لم تسبقها مشاورات مع أطراف طاولة الحوار، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول احتمالات انعقاد هذا الحوار. وسألوا: "هل إنّ الذين يرفضون الجلوس الى طاولة واحدة في الحكومة مع "حزب الله" سيقبلون بالجلوس معه الى طاولة الحوار؟ وهل إنّ "حزب الله" الذي يرفض البحث في أيّ استراتيجية دفاعية، سيقبل بطاولة الحوار التي سيكون عنوانها الأساسي طرح مصير سلاحه؟".

بريطانيا وتحييد لبنان

وفي هذه الأجواء، برز استعداد بريطاني لإجراء الإتصالات الدولية اللازمة لترسيخ فكرة تحييد لبنان عن نزاعات الآخرين. وكشف السفير البريطاني طوم فليتشر، أنّ رئيس وزراء بلاده ديفيد كاميرون أعطى توجيهاته لمساعدة لبنان عملياً وليس بالكلام، ووضع خطة للمساعدة تتمثّل بتقديم مبلغ 15 مليون دولار أميركي لتجهيز الجيش اللبناني لحماية حدود لبنان، وزيادة المساعدات المالية تلبية لاستجابة لبنان الذي يواجه أضخم نزوح للّاجئين في العالم، إضافةً إلى مضاعفة الجهود البريطانية لدعم سياسات الإجماع والشجاعة والتعايش. وكذلك دعم الجهود الرامية إلى تأليف حكومة حيادية. وأكّد أنّ بريطانيا ستعمل مع شركائها الدوليّين لإبقاء لبنان بعيداً من الأزمة السورية، وستزيد حجم التبادل التجاري معه.   

السابق
اللواء: سليمان يدق جرس الإنذار ويطالب بتسهيل التأليف
التالي
الجميّل يدعو الى وقف مسار التعطيل الذي يضرب المؤسسات