“الإخوان” يحرقون الجسور والسفن مع الشعب المصري!

حاول "الإخوان" منذ البداية الإيحاء بأنهم ليسوا طلاب حكم وسلطة. وجهدوا للابتعاد عن السلفيين رغم توافقهم معهم في الشعارات العامة. لكن سلاسة تعامل الولايات المتحدة واسرائيل وتطابق المخططات, ضاعفا هواهم للإمساك بكل المؤسسات, وزادا رغبتهم في استعجال "التمكين" لئلا تتغير الأجواء. استعجل "الإخوان" اجتياحهم المؤسسات من دون أي حساب للآخرين في الداخل والخارج. رهنوا كل رصيدهم الذي حصدوه عبر الاستئثار والتفرد بالحكم, مع انهم لم يحصدوا منصب الرئاسة الا بزيادة لا تتعدى نسبة واحد في المئة وما كان رئيسهم ليصل الى قصر الاتحادية لولا الغاضبين من عودة احد اقطاب النظام السابق. لم يبايعهم نصف المقترعين فكيف بالذين لم يقترعوا? وبدلا من قراءة ما حدث "ركبوا رأسهم" وتجرأوا على المصريين ودائما كانوا يهددوننا بالحشد الجماهيري". لم يعرفوا من سكرة السلطة والسلطان ان هذا السلاح "الجماهيري" الذي لوح ويلوح به "الإخوان" ذو حدين, وقد يستخدم ضدهم إذا فشلوا في توفير ما تريده الأكثرية الصامتة, على مستوى ترسيخ الأمن والاستقرار, وتحريك عجلة الاقتصاد , وإعادة تحريك عجلة المصانع.
فشلوا فشلاً ذريعاً لان شغلهم الشاغل كان تمكين الفاشلين من اتباعهم, وكأن مصر مزرعة ورثوها عن ابائهم ! اذلوا المصريين, جعلوهم ينتظرون امام محطات الوقود بالساعات ورئيسهم يتندر عليهم بانه كان نفسه يقف معهم في الطوابير! احسوا بالمهانة لانهم لم يجدوا رغيف الخبز وان وجدوه فغير مسموح الا بارغفة ثلاثة يوميا لشعب يقترب غالبيته من خط الفقر. ملأوا جيوبهم بمليارات الدولارات, وافقروا الشعب, ملأوا مصر بالاف "السوبر ماركت" بينما الملايين من المصريين يقعون في البطالة والفقر والعوز ولا تجد لهم يدا حانية ولا قلبا رحيما مع ان الحكام لا يملون من استخدام الدين بصورة فجة كأنه اضحى ديكورا لشجعهم وتخمتهم.
اساؤوا للاسلام كما لم يسئ له اعداؤه على مر التاريخ, اساء "رئيسهم الشرعي المدني المنتخب" استخدام سلطاته, افهموه ان انتخابه بنسبة ضئيلة هو تفويض مفتوح يحوله الى ديكتاتور! لذا حاول ان يضع القضاء في جيبه الايمن والاعلام في جيبه الايسر, وان يدوس على تطلعات المصريين في الحرية والكرامة الى ابد الابدين . اراد تمزيق اسس وقواعد الامن القومي المصري, تحالف مع المتطرفين والارهابيين, جعل مصر الحضارة والتاريخ والدور الاقليمي والدولي موضعا للتندر لانعدام الكفاءة والكياسة والفاعلية. ولم يشعروا بغضب المصريين, ولذا بوغتوا بحجم الطوفان البشري ضدهم للمرة الاولى في التاريخ تخرج القرى والنجوع والكهوف والمدن, الصغيرة والكبيرة, ثائرة ضدهم, وضد كذبهم واحتيالهم على الشعب, فقد كذبوا عليه كما يتنفسون, بداية عندما عبرت "الجماعة" عن عدم رغبتها في ترشيح أحد قادتها, ثم اخلت بالوعود والتطمينات التي قطعتها, على رغم ما اعترى صفوفها من خلافات وتباينات حيال هذا الموضع, واخذوا يلعنون اسرائيل في السر لكن في العلن معجبون باسرائيل, بل نشروا صورة في موقعهم على "فيس بوك" مع مسؤولين إسرائيليين. ثم رأى رئيسهم في نظيره الاسرائيلي الخل الوفي في زمن عز فيه الخلان ! حاولوا تقزيم الازهر رغم انهم يعرفون ان المصريين كانوا, ولا يزالون ينظرون إلى دور الازهر الفقهي والوطني كمرجعية تاريخية وطنية عربية وإسلامية عامة لا ينافسهم فيها أحد. تحالفوا مع السلفيين رغم الصراع المكبوت منذ زمن بينهم وبين "الإخوان" الذين كانوا ينظرون إليهم على أنهم "صنيعة" النظام السابق, وتحدياً لهم في قلب قواعدهم. وبعد ان استغلوا السلفيين في الاستحقاقات الكبرى تخلوا عنهم وطردوهم صفر اليدين. وتركوا لمنتهزي فرص حزب الوسط جني الصفقات المالية المشبوهة لتمتلئ خزائنهم مع خلو المزيد من الامعاء الفارغة والجوع المتزايد من جانب العاطلين من العمل والمرضى بلا علاج. تواطأ قادتهم مع واشنطن ضد القضية الفلسطينية التي دفع المصريون مئات الالاف من الشهداء في سبيلها.
وبعد ثورة المصريين عليهم راحوا يشنون الحرب على جيش مصر العظيم, رمز مصر القوية المعتزة بنفسها, المعبر عن تاريخها, لا لشيء غير انه انحاز الى الشعب وتطلعات الشعب رغم معرفتهم أن المؤسسة العسكرية تتمتع بموقع خاص وحب خاص واعتزاز خاص , وازدادت حاجة المصريين الى جيشهم في ظل اهتزاز الأمن والصعوبات الاقتصادية والبطالة والخوف من المجهول. فضلاً عن القدرة التنظيمية للجيش في كل الأجهزة العسكرية والأمنية , استناداً إلى تاريخ طويل في بناء مقومات الدولة المصرية الحديثة, منذ محمد علي باشا إلى "ثورة 23 يوليو" وحتى نهاية عصر مبارك. وبدلا من الخضوع للشعب راحوا يحشدون مكابرين فلم يستطع "الاخوان" الا الحشد في موقعين صغيرين من كل المحافظات ومن لاجئين سوريين و"حماس" واستعانوا في خسة لا تناسب النخوة الاسلامية بالنساء الغافلات واطفالهن. وظهر انهم متحالفون مع الارهاب, وانهم لم يؤمنوا بنبذ العنف يوما, وانهم على استعداد لاستخدام السلاح ضد الشعب المصري, واعلان النفير ضد الجيش المصري, وظهر ان الاختلافات والانشقاقات تملأ معسكرهم, والواقع ان هذا الامر ظهر جليا عندما لم يُجمعوا على ترشيح نائب مرشدهم, أي عندما حصل خيرت الشاطر على "مباركة" "مجلس شوراهم" بفارق صوتين عن المعارضين. ولا يخفى أن "شباب" التنظيم يقفون في واد و"شيوخهم" في واد آخير, وهذا المشهد ليس جديداً, بل عانت "الجماعة" طويلاً وقبل الثورة من تجاذب حاد بين المجموعتين. وفي أثناء الثورة, جنح الحرس القديم نحو التفاهم مع النظام بينما كان الجيل الجديد يدفع نحو المشاركة في الميادين, واستمر هذا التباين إلى اليوم, في طريقة التعامل مع المؤسسة العسكرية التي انحازت للشعب.
"الاخوان" وعبر سياسات التمكين والاقصاء والتفرد بالسلطة حرقوا المراحل وحرقوا السفن أيضاً, فثار الشعب عليهم والان يندفعون إلى مواجهة مكشوفة مع جموع الشعب المصري وقوى كثيرة تشكل رموزاً للمجتمع المصري.
ان "الاخوان" بسلوكهم الرافض لارادة الشعب ورغبته ومشيئته باندفاعهم إلى منازلة كبرى يهددون استقرار البلاد, ولكن الواقع يقول بما لا يدع مجالا للشك, هزمت الجماعة ومخططاتها وكل ما بنته من أبراج كان فوق رمل.  

السابق
مليارات الخوف من الثورة لمصادرة عودة مصر؟
التالي
جهاد النكاح في رابعة العدوية