إنهم يبيعونه كلّ يوم!

بصراحة تامة، وبرسم الرؤساء ومتصدّري الساحات والفيترينات، اللبنانيّون مشمئزّون جداً، وقلقون للغاية مما يتلقّاه بلدهم اليتيم من هدايا أمنيّة "واعدة"، مرفقة بسيارات مفخخة وبمنظمّات من عيون الارهاب… وخصوصاً بعد "الاطلالات" الأخيرة، والمزدانة بأسماء "مؤسسات" خيريّة تحتل المرتبة الأولى في لائحة زارعي الرعب والدمار والموت أينما حطّوا الرحال.

وليس في اليد حيلة. وليس في البلد دولة ولا حكومة. أما المؤسسات فقد أضحت مسرحاً وملعباً لكل أنواع الفساد والفاسدين، وما لم ينخره سوس الفساد منها أصيب بداء الشلل. هذا إذا لم يكن داء التطيّف والتمذهب قد تسلّل وتغلغل.

هذه أمور وقضايا ومصائب وأمراض معروفة. ولا تفتقر الى مَنْ يتحدّث عنها أو يصف إنجازاتها الباهرة، وحيث يتربّع أنصاف الآلهة، أو ممثلوهم، أو الذين يأتمرون بتعليماتهم. لكن ذلك لا يعني أن نكتّف أيدينا ونخيط أفواهنا ونغمض أعيننا، على طريقة لم نرَ لم نسمعْ لم نحكِ. وإن كان من باب التذكير على الأقل، وكي يعلم الذين صادروا الدولة بما فيها أن الناس يعرفون كل شيء، ومطّلعون على كل التفاصيل وكل الصفقات وكل الارتكابات…

وفوق الطين بلّة. وشلل في كل الأرجاء والمشاريع والمؤسسات. وركود يكاد يحوّل أسواق العاصمة وربما المدن والمناطق الأخرى مجرّد أماكن لا تختلف عن أماكن الآثار والمعالم التاريخيّة التي تجذب السياح أحياناً. إنما لا سياح ولا مَن يسيحون.

فراغٌ بكل معنى الفراغ، على مدّ العين والأسواق والمتاجر والفنادق والمنتجعات والمسابح والمصايف، وحدّث ولا حرج.

وأين نذهب بالبطالة، وأين نهرب من الكساد والخسائر والطفر، وقد تغيّرت الدنيا في لبنان ومن حوله، وتغيّر الناس في كل أنحاء العالم العربي إلا في هذا اللبنان البائس التعيس. فناسه ينظرون إليه كباب رزق وتكسُّب واصطياد مناسبات، لا كوطن ينتمون إليه ويحرصون عليه، مثلما يحرص المصريّون مثلاً، أو التونسيون والجزائريون وأهل المغرب، أو كما يتفانى أهل المملكة العربية السعودية، والكويت ودولة الإمارات، وباقي دول الأرض في العالم أجمع. دول الخليج عملت من الصحراء جنات تجري من فوقها ومن تحتها الأنهار. اللبنانيّون عملوا من الجنّة صحراء.

إنهم يتعاملون مع "الوطن الرسالة" على أساس "قد ما بتعطينا منعطيك". ويا ليتهم يعطونه أي شيء. حتى إذا أعطاهم كل شيء يبيعونه بثلاثين من التَنَك ويظلون يبيعونه دون شفقة ولا رحمة.

وها هم أمامكم. بأسمائهم الثلاثية. وبصورهم وأصواتهم. وأين كانوا وأين صاروا، وأين كان لبنان وأين صيّروه.

مأساة لبنان أنه لم يصبح وطناً. فكيف، إذاً، يبني مواطنين يفدونه بأرواحهم وفلذات أكبادهم، كما يفعل المصريون، مثلاً؟

هؤلاء لا قيم عندهم ولا تقاليد ولا أعراف. كل شيء مباح ومستباح، وبرسم البيع سعياً إلى المزيد من التكسّب والمزيد من المظاهر والمزيد من التخلف.

السابق
الآن القاعدة ضد الجيش الحر!
التالي
اميركا تعيد التموضع في معركة مصر