أزمة نظام رئاسي في مصر

يترنح النظام الرئاسي في مصر على وهج الأحداث الجارية في «المحروسة» منذ إطاحة الرئيس حسني مبارك في «ثورة 25 يناير 2011». وقد جاءت «ثورة 30 يونيو 2013» التي أطاحت الرئيس محمد مرسي، لتؤكد أزمة هذا النظام الذي يبدو انه لم يعد صالحاً لإدارة أكبر دولة عربية.

في أقل من ثلاث سنوات سقط رئيسان بالضربة الشعبية القاضية، تنحى الأول، وعُزل الثاني تحت ضغط القوات المسلحة المصرية التي تُعدّ المؤسسة الأقوى في جمهورية مصر العربية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وشعبياً. واذا كانت شرعية حسني مبارك، الذي حكم ثلاثين عاماً، قد تبخرت داخلياً وخارجياً بفعل الالتفاف المصري الجامع على ضرورة إسقاط هذا النظام، فإن شرعية محمد مرسي التي تكرست بفعل صناديق الاقتراع، ما تزال موضع جدل كبير في الداخل والخارج، وهو ما يهدد مصر بحرب أهلية طويلة حذر منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل صراحة، على الرغم من تأييد موسكو إطاحة الرئيس «الإخواني».

وأياً يكن الأمر، فإن النظام الرئاسي المصري في أزمة تبدو مستعصية على الحل، ما لم تلجأ مصر الى تعديلات دستورية جذرية. فلأول مرة في تاريخ الدول تصبح شرعية الصناديق الانتخابية موضع جدل، وهو ما يمكن أن ينعكس على مجمل الأنظمة الرئاسية، خصوصاً في العالم الثالث، بحيث تنحو الدول التي تعتمد هذا النظام من الآن وصاعداً نحو الأنظمة البرلمانية التي يسهل معها استقالة الحكومات تحت ضغط الشارع والدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة، وهو ما شهدناه ونشهده بكثرة في الدول التي تعتمد هذا النظام.

والواضح ان التجربة المصرية تفتح الباب على مصراعيه بالنسبة للأنظمة الرئاسية المطلقة الصلاحية، والمحكومة بمهل زمنية محددة يتشبث فيها الحاكم بالسلطة استناداً الى شرعية الصناديق، وهو ما يتمسك به «الإخوان المسلمون» في مصر من خلال حركتهم الاعتراضية على إطاحة الرئيس محمد مرسي الذي رفض الدعوة الى انتخابات مبكرة. فالتجربة المصرية في السنوات الماضية من عمر الثورة تقول إن الشرعية الشعبية باتت أقوى من شرعية الصناديق، ويكفي أن تهرع الملايين الى الشوراع والميادين ليصبح الحاكم في الزنازين، وهذا بحد ذاته ليس واقعاً صحياً في الأنظمة الديموقراطية.

ويبدو جلياً أن مصر لن تخرج من أزمتها إلا من خلال تقليص صلاحيات الرئاسة وتكثيف سلطة الحكومة والبرلمان، فتنتقل الإدارة السياسية من حكم الفرد الواحد الى حكم الجماعة عبر الأكثرية البرلمانية، تماماً كما هو حاصل في معظم الدول الأوروبية التي تقلّص فيها حجم الأزمات السياسية الى الحدود الدنيا.

بالتأكيد إن النظام الرئاسي ليس الأزمة الوحيدة في مصر. فمشاكل هذا البلد أكثر من أن تعدّ وتحصى، وفي طليعتها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، لكن هذه المشاكل لا يمكن معالجتها في غياب الاستقرار السياسي، وهذا الاستقرار يحتاج الى نظام مستقر لن يتأمن بعد اليوم من خلال النظام الرئاسي وشرعية الصناديق وحدها.

السابق
اميركا تعيد التموضع في معركة مصر
التالي
بين عون وحزب الله ندوبٌ لا تُفسد التفاهم