من 7 أيار.. حتى القصير المذهبية تتحول إلى انتماء سياسي واجتماعي

 لا يجد الأصدقاء الثلاثة مصطفى حبلة ومحيي الدين المصري وعلي فقيه، أنفسهم من المتطرفين أو المتعصّبين للمذهب الذي ينتمون إليه. لا يزالون أصدقاء مقربين، يدرسون معاً في الجامعة نفسها، ويجلسون معاً في المقهى نفسه.
لكن، لدى الحديث معهم تبرز في رأي كل منهم الاستجابة الكبرى للتحول السياسي والمذهبي، حتى من دون وعي. وتلك هي الخطورة.
يؤكد مصطفى، من الطريق الجديدة، أنه ضد التعصب، لكنه يرفض مقولة أن مشاركة «حزب الله» في معركة القصير من أجل مقاتلة التكفيريين، لأنه ببساطة لا يرى في مقاتلي القصير تكفيريين أو إرهابيين، بل معارضين للنظام السوري. وبالتالي، فإن «حزب الله» بالنسبة إليه، يقاتل إلى جانب النظام السوري، ولا يمكن لقيادة الحزب أو أمينه العام إقناعه بغير ذلك.
يستعيد مصطفى الخطاب السائد في المنطقة التي يقيم فيها، وغير مستعد للتفكير في ما يُقال أو مناقشته.
في المقابل، يرد كل من محيي الدين المصري وعلي فقيه، من الضاحية الجنوبية، الحالة المذهبية إلى الدول الخارجية التي تلعب بالسياسيين، ففي الأمر «مؤامرة» لكي نحارب بعضنا بعضا، ويستجيب السياسيون لها، ويتم التحريض المذهبي من أجل الاستفادة منه، وحصول كل منهم على حصته في الحكم.
ثم ينتبه كل من مصطفى ومحيي الدين وعلي إلى عصريتهم: أصلا لغة الشتائم المذهبية هي لغة الجاهل، وتؤدي إلى المزيد من الكره. وكل لبناني متعلم هو إما مهاجر أو يتمنى الهجرة والعيش في الخارج.
ويزيد علي من الجرعة العصرية: نحن في القرن الحادي والعشرين، ويريدون إعادتنا إلى القرون الوسطى، بمشاركة عدد من رجال الدين الذين يتحدثون في خطاباتهم عن السني والشيعي. هكذا، يقع شبان جامعيون فريسة المذهبية، وتتشكل العقول المذهبية من خلال المواقف السياسية والدينية، والفتاوى، فتتحول إلى انتماء سياسي واجتماعي، ويعاد على أساسها النظر في العلاقات الأسرية والاجتماعية، داخل المدارس وفي أماكن العمل.
وبالتالي يصبح التحذير منها بعبارات ترد في الخطابات السياسية والدينية، أشبه بكلام أجوف، مثل: حذار الفتنة، احتواء الفتنة، منع الفتنة.
الأسير الحامي
في تطابق مذهل بين تفسير علم الاجتماع السياسي وآراء الناس، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور ملحم شاوول إن حالة الشيخ أحمد الأسير هي نتيجة تحويل كل شأن وملك عام إلى خاص، فتنتج الطائفة أو المذهب مؤسساتها ومشايخها الذين لا يعودون أتباعاً لمؤسسة على علاقة بالدولة، وإنما بالمجتمع الأهلي فحسب. ويقول مصطفى حبلة إن قسماً من السنة لجأ إلى الأسير لأنهم يريدون الحماية، واعتقدوا أنه الحامي، بعد قرار الرئيس سعد الحريري البقاء في الخارج «والابتعاد عن أهله».
يضيف مهندس من تلة الخياط رفض ذكر اسمه: «لست مع الأسير، ولكن لا يحق لحزب الله المشاركة في المعركة ضده»، سائلا: «لماذا اعتقل الحزب أشخاصاً من أنصاره، وسلمهم إلى الجيش؟». يتابع: «كلما استمعنا إلى خطابات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، نسأل: إلى أين يذهب بالبلد؟ ولا يصدق كلام نصرالله عندما يقول إنه يقاتل الإرهابيين والتكفيريين، وإنما يدافع عن نظام بشار الأسد».
7 أيار مجدداً
لا يمكن نسيان 7 أيار، الذي شكل حالة انقلابية في نظرة أهالي بيروت إلى «حزب الله». هذا ما يؤكده مصطفى مجدداً، مضيفاً أن الخطوة الأولى في معاداة الحزب كانت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم تضامنوا معه في حرب تموز، ثم كرهوه في 7 أيار.
يتابع أنه «بعد 7 أيار أصبح لدى أهالي بيروت اعتقاد بأن «حزب الله» يستطيع الدخول عليهم متى يشاء، ولم يستطع خطاب الحزب، تبديد ذلك الشعور. صحيح أن الحكومة أصدرت حينها قرارات بتعطيل شبكة اتصالات الحزب، لكن ما دخل الناس في بيروت؟ كان في استطاعة الحزب رفض القرارات، وإعلان العصيان عليها، من دون الدخول إلى بيروت بالسلاح».
ويرى المهندس أن هناك «فئات محمية في بيروت، لا يستطيع الجيش ولا قوى الأمن المساس بها». ويروي أنه «منذ فترة شهر تقريباً هجمت مجموعة من المسلحين من انتماء معين على كاراج سيارات، قرب منزله، وقامت بضرب ناطور الكاراج بتهمة صداقته مع شاب سوري خطف ابنة أحدهم، ويريدون معرفة مكانهما. ولم يتجرأ أحد على سؤالهم لماذا يضربون الناطور؟».
ويعتبر ربيع ياسين، وهو جامعي من بيروت، أن دخول الحزب غيّر نظرة أهالي بيروت إلى المقاومة، ويتمنى لو أن الحزب لم يتعاط السياسة، كما فعلت كل جبهات المقاومة قبله.
يرفض علي فقيه، تفسير مصطفى لكره الحزب، ويقول إن «الحزب كان مضطراً إلى دخول بيروت»، مع العلم أنه يوافق على وجود طرق أخرى للتعامل مع قرارات الحكومة في حينها.
القصير ضد أهل السنة
بعد 7 أيار، جاءت معركة القصير. فعندما شارك «حزب الله» في معركة القصير، لم يقتصر الأمر على معارضة تدخله في سوريا، وإنما جرى التعميم في عدد من خطابات السياسيين ورجال الدين بأن الحزب يقاتل أهل السنة، والأمر نفسه سرى على معركة الأسير في عبرا، عندما صعد مشايخ للقول إن الجيش والحزب يقاتلان أهل السنة. 
في المقابل، يتحدث مناصرو الحزب عن استهداف الشيعة، وليس المقاومة فحسب، من الجماعات السلفية وغير السلفية.
يقول ربيع إن «تدخل حزب الله في الصراع في سوريا علنا، شكل خطأ كبيراً». ويذكر بأن النظام السوري كان مسيطراً على لبنان لسنوات طويلة، وبالتالي فإن اللبنانيين لا يحبونه. 
يضيف أن لبنان عاش حرباً استمرت من العام 1975 حتى العام 1990، ولم يقف أحد إلى جانبه حتى توقيع اتفاق الطائف، والآن ينتظر أصحاب القرارات في العالم أن يبيد الشعب السوري نفسه، قبل التدخل لإنهاء الحرب.
لكنه يتابع أن الخلاف بين السنة والشيعة أصبح خطراً، لأنه يمتد في كل المنطقة، بدءا من العراق، مروراً بالبحرين، وصولاً إلى لبنان. 
جهل بالإسلام
يتم استحضار سيرة الإسلام الأولى بطريقة تشعر معها بالرعب، لأن الجهل هنا يصل إلى حدوده القصوى، فلا أحد يريد قراءة السيرة من مراجعها المتعددة، ولا يهمه ذلك أصلاً، وإنما الهدف هو التسعير المذهبي. فيطال الكلام الخلفاء الراشدين الأربعة والحسين وعائشة. يصل الأمر إلى المضحك المبكي، فيتناقل حسين من الشياح مع أصدقائه ومعارفه وأقربائه، جزءاً من خطاب شيخ يدعى العرعور، يقول فيه إن «جد الحسين لأمه الفارسية كان كافراً، فكيف يقولون عنه، ويقصد الشيعة، إنه شفيع المؤمنين في الجنة؟». ويفسر حسين ما لا يحتاج إلى تفسير قائلا إن «جد الحسين هو النبي محمد، وأمه فاطمة الزهراء ابنة النبي عليها السلام، فما الذي يريدونه؟».
ويرى علي من برج البراجنة أن زوجة النبي عائشة سممته من أجل حصول والدها الخليفة أبو بكر على الخلافة. ثم يعدد الشتائم الكبيرة التي يوجهونها إلى أتباع المذهب الشيعي، مثل وصفهم بالروافض وعبدة الأصنام والحجارة والكفار.
لكن ربيع ينتقد إقحام الخلفاء الراشدين وعائشة في الخلاف الحاصل حالياً. ويعتبر أن رجال الدين يؤدّون دوراً في تكبير المشاكل بدل تخفيفها، لأنهم يبحثون عن مواطن الخلاف السني – الشيعي تاريخياً ويعيدون التذكير بها بدل إظهار نقاط الالتقاء.
ولأن انتماء معظم اللبنانيين إلى الطائفة والمذهب، قبل الوطن، فإن هؤلاء سرعان ما ينجرون نحو الخلاف، مع العلم أن الواقع مختلف، فهناك عائلات مختلطة، وبينها علاقات مصاهرة. لا يتمنى كل من علي ومصطفى وربيع حصول حرب بين السنة والشيعة، ويقولون إن كلا من معركتي القصير وأحمد الأسير لن تؤديا إلى الحرب. 
وينتقد المهندس وسائل الإعلام، لنشرها صور القتل البشعة لأنها تزيد الحقد في النفوس، قائلاً إنه «لو كانت هناك دولة لأقفلت جميع وسائل الإعلام، وسمحت لتلفزيون لبـــنان بالبث. لا أحد يمكنه صناعة دين على حسابه، ولا قــــتل الآخرين لأنهــــم ليســــوا مع أفكـــاره. لكـــن الشـــباب يتربون على التعصب».
 

السابق
اتفاق سري بين دول غربية والخليج لرعاية الوضع في لبنان
التالي
مؤلفة “هاري بوتر” تعترف بكتابة رواية تحت اسم مستعار