عودة الصيف الايراني

منذ انتصار حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الايرانية، نقل الشهر الماضي مسؤولون كبار في إدارة اوباما سلسلة من رسائل التهدئة لاسرائيل بشأن المحادثات المتوقع استئنافها في بداية ايلول/سبتمبر مع النظام في طهران. وقال موظفون امريكيون كبار يعنون بالمسألة الايرانية لـ’هآرتس′ انه في محادثات مع نظرائهم من مكتب رئيس الوزراء في القدس أوضحت الولايات المتحدة، انه رغم حقيقة أنها ترى في انتصار روحاني تطورا ايجابيا، الا ان الايرانيين لن يحظوا بتنازلات من القوى العظمى قبل أن يتخذوا هم خطوات مسبقة بأنفسهم.
‘الاسرائيليون يخشون من أنه لان روحاني يبدو أكثر وديا للغرب، سيقل الضغط على ايران’، قال المسؤولون الامريكيون. ‘ الخوف مشروع ولكن قلنا للاسرائيليين بان في نيتنا فحص الايرانيين حسب افعالهم وليس حسب اقوالهم’. وأشار الموظفون الكبار الى ان الولايات المتحدة أوضحت لاسرائيل بانه ليس في نيتها تخفيف الضغط على طهران، بل على العكس زيادته. والدليل هو أنه في بداية تموز/يوليو دخلت حيز التنفيذ عقوبات امريكية جديدة على التجارة بالريال الايراني.
وحسب أقوالهم، فان العقوبات الشديدة ألحقت ضررا جسيما بالاقتصاد الايراني وساهمت في نتائج الانتخابات وانتصار روحاني. وقال الموظفون ان ‘الشعب الايراني صوت على الاقتصاد ورفض الوضع الراهن. العقوبات هي وسيلة لدفع ايران الى المرونة في المفاوضات واتخاذ الخطوات اللازمة في موضوع البرنامج النووي. ينبغي أيضا أن نرى اذا كان روحاني جديا أم لا، ونحن نأمل ان يكون في حالة ضغط لتنفيذ وعوده الانتخابية’. وأوضح الموظفون انه رغم انتصار روحاني ‘لن يكون هناك تخفيف للعقوبات من دون أعمال ايرانية لتجميد تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 في المئة’.
فور انتصار روحاني في الانتخابات في 15 حزيران/يونيو، نشرت في الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا والمانيا بيانات ايجابية نسبية، هنأت الشعب الايراني بالنتائج وأعربت عن الرغبة في استئناف المحادثات مع ايران. وأعلنت الولايات المتحدة أنها معنية بالشروع في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الجديدة في طهران.
وبينما في الغرب استمدوا التشجيع من أن 51 في المئة من الايرانيين صوتوا للمرشح الذي لم يحظ بتأييد الزعيم الاعلى علي خامنئي، فان نتنياهو يرى في ذلك أنباء غير سارة. فرئيس الوزراء الذي فوجئ من النتائج يرى فيها تهديدا حقيقيا على الضغط الدولي الذي تبلور ضد ايران في السنوات الاخيرة.
وكان البيان الذي نشرته حكومة اسرائيل يعكس ذلك. فبينما رغبت وزارة الخارجية في الانتظار وعدم نشر التعقيب الا بعد فحص بيانات الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية، طلب نتنياهو اصدار بيان مبكر قدر الامكان وبصيغة حادة على نحو خاص. واشار موظف اسرائيلي كبير الى أن الاجواء في مكتب نتنياهو كانت تقترب في تلك اللحظات من الهستيريا.
لقد كان الموضوع الايراني درة التاج في أجندة نتنياهو منذ الازل وبقوة أكبر في الانتخابات الاخيرة. وكان رد فعل نتنياهو على انتصار روحاني سلبيا لدرجة أن بعض المحافل في الساحة السياسية تفكهت بالقول انه اذا ما أعلنت ايران غدا عن تنازلها عن البرنامج النووي والتخلي عن الارهاب، سيعلن رئيس الوزراء الحداد، ويلبس السواد ويعفر رأسه بالتراب.
اما في مكتب رئيس الوزراء فقد كانوا يعرفون انه في أعقاب انتصار روحاني، تعتزم القوى العظمى الشروع في مساعي دبلوماسية متجددة حيال ايران. واشار موظف اسرائيلي كبير الى أن نتنياهو ومستشاريه لا يرفضون امكانية ان يكون جزءا من الخطوة فتح قناة محادثات مباشرة بين البيت الابيض وطهران. وكان هذا التقدير في خلفية سلسلة المشاورات التي جرت في الاسابيع الاخيرة بين واشنطن والقدس. وكان يعقوب عميدرور مستشار الامن القومي هو الذي أدار المحادثات مع الامريكيين.
الامريكيون معنيون جدا بفتح حوار مباشر مع ايران، كجزء من المحادثات مع القوى العظمى الست او بالتوازي. واشار الموظفون الامريكيون الكبار الى أنه في السنتين الاخيرتين اطلقت رسائل كهذه للايرانيين بكل وسيلة ممكنة علنا وفي قنوات سرية. وقالت رئيسة الفريق الامريكي المفاوض وندي شيرمن ذلك مباشرة لنظيرها الايراني سعيد جليلي في احدى جولات المحادثات الاخيرة.
ويرفض الايرانيون حتى الان فتح حوار مباشر مع الولايات المتحدة. في جولة المحادثات الاخيرة في كازاخستان في شهر نيسان/ابريل حاول الايرانيون وضع اصبع في عين الامريكيين، حين التقوا بشكل منفصل مع القوى العظمى باستثناء المندوبين من الولايات المتحدة. وقال الموظفون الامريكيون الكبار:’اننا لن نطارد الايرانيين. فهم يعرفون موقفنا جيدا واذا ارادوا فسيسرنا اللقاء بهم’.
هذا وينعقد في يوم الثلاثاء في مقر الاتحاد الاوروبي في بروكسل اجتماع لدبلوماسيين كبار من القوى العظمى الست التي تدير المفاوضات مع ايران على البرنامج النووي. وستترأس الاجتماع وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون ومستشارتها الكبيرة هيلغا شميت، اللتان تديران الاتصالات مع الايرانيين عن القوى العظمى.
ويسود في اوساط القوى العظمى الست تفاؤل حذر من امكانية التقدم في المحادثات مع ايران في اعقاب نتائج الانتخابات للرئاسة. وتشجعهم تصريحات روحاني في اثناء حملة الانتخابات في أن على ايران ان تحسن علاقاتها مع الغرب وتعمل على رفع العقوبات الدولية. ومع ذلك فالزعيم الاعلى لايران علي خامنئي هو المرجعية الحصرية بالنسبة للبرنامج النووي.
وعرضت اسرائيل في المحادثات مع الامريكيين وكذا مع الاوروبيين موقفا متصلبا وغير متنازل في المفاوضات مع ايران. فرئيس الوزراء نتنياهو يطلب أن يتوقف الايرانيون تماما عن كل تخصيب لليورانيوم سواء الى مستوى 3.5 في المئة ام الى مستوى متوسط لـ20 في المئة. كما أنه يطالب بان يخرجوا المادة النووية من الدولة ويغلقوا المنشأة النووية التحت ارضية في فوردو.
اما موقف الدول العظمى الست فأكثر مرونة بكثير. فالاقتراح الاخير الذي نقل الى ايران يقول انه يجب تجميد التخصيب الى مستوى 20 في المئة فقط، وقف النشاط في المنشأة في فوردو حتى تفكيكها وابقاء كمية معينة من اليورانيوم المخصب في ايران للاستخدام كوقود نووية لمفاعل البحث في طهران.
ويتضمن الاقتراح الغربي تشديد الرقابة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية الايرانية. وطلبت القوى العظمى تقليص الفترات الزمنية بين كل زيارة للمراقبين واخرى وذلك منعا للايرانيين من التقدم في البرنامج النووي من دون أن تكتشفهم الوكالة.
وبالمقابل، وافقت القوى العظمى على تسهيلات في العقوبات المفروضة على ايران والتعهد بتعليق فرض عقوبات جديدة. ولم توافق القوى العظمى على الغاء حظر النفط الذي فرضه الاتحاد الاوروبي، ولكنها أعربت عن استعدادها للتخفيف من العقوبات المتعلقة بتجارة الذهب والمنتجات البتروكيميائية وكذا التسهيل في بعض العقوبات على البنوك الايرانية. وحتى اليوم لم يرد الايرانيون على العرض، وأشار موظفون امريكيون الى انه اذا أعطى الايرانيون جوابا جديا ومهما، فستكون هذه اشارة ايجابية.
ومنذ خطاب نتنياهو في الامم المتحدة عن الخط الاحمر خفف نتنياهو تصريحاته عن امكانية هجوم اسرائيلي احادي الجانب في ايران.
وأحد أسباب ذلك هو اعطاء فرصة اسرائيلية للعقوبات الدولية بمواصلة التأثير. سبب آخر كان حالة الطقس الشتوية التي تجعل الهجوم في ايران صعبا.
ومع ذلك، مع حلول الصيف وتحسن حالة الطقس وبقوة اكبر منذ الانتخابات في ايران، عاد نتنياهو الى خطاب التهديدات المبطنة بالهجوم على ايران. وفي الاسابيع القريبة، مع استئناف المفاوضات مع طهران يعتزم نتنياهو تشديد وتيرة تصريحاته في هذا الموضوع. ومنذ اليوم سيعطي مقابلة في هذا الموضوع مع شبكة ‘سي.بي.اس′ الامريكية.
ورغم تصريحات نتنياهو العديدة حول الذراع الطويلة لاسرائيل، فان الاحاديث مع المسؤولين في الادارة الامريكية الاسبوع الماضي تبين أن في واشنطن لا يوجد اليوم تخوف كبير من أن ينطلق نتنياهو في عملية عسكرية من دون تنسيق مع الولايات المتحدة. واشار موظفون امريكيون كبار الى أن الاتصالات بين واشنطن والقدس في الموضوع الايراني توثقت جدا منذ زيارة اوباما الى اسرائيل في شهر اذار/مارس وتقلصت الفجوات بين الطرفين.
وقال موظف امريكي كبير ان ‘كل الخيارات بقيت على الطاولة. هذا موضوع أمن قومي بالنسبة لنا ونحن نتعامل مع ذلك بناء على هذا الوضع. ولكن في هذه الاثناء نعتقد أنه لا تزال توجد نافذة فرص للمفاوضات والحل الدبلوماسي الى جانب تشديد الضغط الاقتصادي على ايران. وقال الرئيس انه لن يسمح لايران بالحصول على سلاح نووي ولهذا سنعمل فقط اذا ما اعتقدنا ان الايرانيين يتحركون في هذا الاتجاه’.

السابق
Whatsapp تطلق تحديثاً جديدا
التالي
معضلة الاسد