يوميات – يسألونك عن لبنان

 الاثنين 8/7/2013: الرومان يعودون

يعود الرومان إلى بلادنا متنكرين بأزياء ما وراء النهر وبلاد البشتون: العمامة محل القبعة المعدنية والرشاش محل السيف وسيارة الدفع الرباعي محل الحصان.

الرومان المتنكرون يكتفون بالقتل الذي يترافق أحياناًَ مع تعذيب الضحية.

والضحية يخاطب قاتله فلا يسمع جواباً. الرومان العائدون يقتلون بصمت. أقسم أحد الأهالي بأغلظ الأيمان بعدما نجح في الهرب: حاولت جهدي أن أسمع أصواتهم ففشلت.

منتهى الجريمة صمت المجرم.

أم أن الرومان المتنكرين نسوا اللاتينية ولم يتعلموا بعد لغة بلادنا؟

تكفيهم كلمات لغتنا القليلة على البيارق. لا يقرأونها. ربما يتعلمون قراءتها بعد المذابح فيكتشفون أنها كلمات محبة وسلام.

الرومان عائدون. إنه زمننا. زمن التناقضات.

 

> الثلثاء 9/7/2013: حال لبنان

يؤنبني ضميري حين أطمئن أصدقاء عرباً وأجانب عن لبنان. يتصلون قلقين على وضعه الأمني وأكثر على وضعه السياسي. كنت أستند إلى حاجة المتصارعين العرب والمسلمين في المنطقة ومناصريهم الدوليين إلى استقرار ما في لبنان، ليمرروا رسائلهم السياسية والإعلامية والمالية وحتى، أحياناً، أدوات الحرب سلاحاً ورجالاً.

ويبدو حرص اللبنانيين على وطنهم ضئيلاً قياساً إلى حرص أصدقاء لبنان العرب والأجانب، الذين عاشوا فيه وعرفوه والذين تابعوا إشعاعه الإنساني من بعيد. لذلك لن أغالب ضميري حين أشارك الأصدقاء قلقهم على لبنان. هذا البلد الصغير شبه الهادئ في مشرق يتعرض للأطماع وتهدمه الزلازل وتجتاحه موجات القتل البدائية، كأن النهضة لم تمرّ وكأن تجربة التنوع الاجتماعي لم تتمكن من تثبيت جذورها في تربة حائرة بين خصبها المفترض ورياح الرمل العاقر.

يرتاح ضميري حين أشارك الأصدقاء البعيدين قلقهم، وأرى حقيقة خلل التوازن بين سلام بلد صغير اسمه لبنان وحروب بلدين كبيرين هما العراق وسورية، وعجز الجارين الإقليميين إيران وتركيا، إن لم نقل ضلوعهما في تناقضات العراق وسورية استجابة للإيديولوجيا الحاكمة في طهران وأنقرة بلونيها المختلفين مذهبياً.

في الأيام الصعبة تحظى بعض البلدان بقيادات استثنائية تأخذ السياسة إلى محل المصالح وتنأى بها عن شهوات الخراب التي تبثها الإيديولوجيات المسمومة.

ولسوء حظ لبنان فإن أيامه الصعبة ترافقت مع قيادات طالعة من حروبه الصغيرة وتحاول البحث عن مكان في حروب المنطقة الكبيرة فلا تنجح، لذلك تكتفي بوكالة، أو وهم وكالة، باسم واحد من الكبار.

وإذا كان سياسيو لبنان التاريخيون تقربوا إلى التجار وابتعدوا عن المثقفين، فإن سياسييه الحاليين بعيدون عن التاجر والمثقف، وربما يحاولون استخدامهما في مهام الوكالة، بعيداً من الإنتاج وتبادله محلياً وخارجياً، وبعيداً من الثقافة كتعبير حضاري وضمير ينحاز إلى السلام.

الوطنية اللبنانية هي الغائب الأكبر بعد تحطيم شروطها وتقاليدها، وبعد إطفاء ألقها الذي استضاء به اللبنانيون وأنار القريب والبعيد.

الوطنية اللبنانية؟ من يذكر قصائد سعيد عقل (له من العمر مئة سنة وسنة) المجنون بها وصولاً إلى شطحات وتهوّر؟ من يذكر هذه الأبيات ومثيلاتها؟:

«ومن أنا لا تسل سمراء منبتها في ملتقى ما التقت شمس وشطآن

لي صخرة علقت بالنجم أسكنها طارت بها الكتب قالت تلك لبنان».

و

«ردني إلى بلادي في النياسم الغوادي

في الشعاع قد تهاوى عند ربوة ووادي (…)

مرة وعدت خذني قد ذبلت من بعادي

وارم بي على ضفاف من طفولتي بدادي

نهرها ككف من أحببت خيّر وصادي

لم تزل على وفاءٍ أنا مِ الوفاء زادي

حبني هناك حب الحب جرّاحاً فؤادي (…).

شلح زنبق أنا اكسرني على ثرى بلادي».

 

> الأربعاء 10/7/2013: تأصيل الإهمال

في تأصيل إهمال اللبنانيين، خصوصاً السياسيين، لوطنهم، هذه المقاطع من مقالين كتبهما ونشرهما ميشال شيحا في شباط (فبراير) 1951 – من كتابه «في السياسة الداخلية»، نقله من الفرنسية أحمد بيضون ونشرته دار النهار في بيروت:

«ونحن إن انطلقنا، في لبنان، من التقاليد التي هي وقاية دائمة لنا، غدا كل شيء مطبوعاً بالتفاهم والتكيف والاعتدال، على الأرجح. وأما التجديد فيجب أن يبقى مشروطاً بتقدير المسافة التي ستنشأ، من جرائه، بيننا وبين مرفأ الانطلاق.

وذاك أن هذه البلاد التي يميل الواحد من سكّانها كل هذا الميل إلى المغامرة، ينبغي لها، لهذا السبب، على التحديد، أن تأخذ نفسها، بما هي أمّة، بتحريم المغامرة. فهي، على صعيد الأفراد، متحركة رجراجة إلى حدّ لا يجيز لها التعرض من غير اختشاء للعاقبة، إلى القلاقل السياسية أو المعنوية، على صعيد الجماعة. ما من أحد يتمنى أن يرى هذه البلاد، وهي على ما هي عليه من النشاط والحياة، متجمدة في أوضاع لا مستقبل لها. ما من أحد يريد أن يحتفظ فيها، عناداً، بما يكون قد أصابه البلى. غير أن اللبناني الواعي لا يرضى أن يرى بلاده تفرّط بسياستها الأساسية لقاء ما يعرض من بؤس في سياستها اليومية».

«هذه بلاد يجب أن يكون فيها تكوين الطبائع أوّل هموم الدولة، إلا أنه آخر ما تشمله عنايتها. بل انه ليتهيأ لنا أن الانحطاط بالطبائع أمسى، بمعنى من المعاني، وسيلة من وسائل الحكم وعلاوة تعطى للناجحين. فلا مناص من تعفير الجبين لمن شاء أن يُمنح فرصاً وأن يفيد من حظوات. ولا بدّ من إذلال النفس وولوج سبل الفساد لمن أراد أن يتّقي غضب أهل الريبة. وكثيراً جداً ما تكافأ بالحظوات غير المشروعة خدمات هي أوضع الخدمات.

ذاك شيء بغيض، لا ريب، ولكنه شيء يمكن أن يكون مميتاً. لبنان محتاج إلى الثروات، طبعاً، غير أنه أشدّ احتياجاً إلى البشر. فعليه أن يُشيع الميل إلى الترفّع قبل الميل إلى تكديس الأموال. ونقصد ذاك الترفّع بالروح الذي يُخضع جملة الثروات المادية لكل من الحريات الأساسية، فما بالك بإخضاعها لهذه الحريات جملة؟

هذا وكل ما تأخذه الديماغوجية في لبنان يستوي خصماً للقوانين التي تأسست عليها هذه البلاد، وهي التي منحها الزمن والخبرة توازنها. وكل مقت للغريب إنما يؤول إلى نقض للموقع الجغرافي وللحقيقة السياسية. وكل تراخٍ في الأعراف السياسية والاجتماعية ينتهي مسّاً ببنية البلاد وبعلّة وجودها وشروط بقائها.

فالأقطار التي تعيش، شأن بلادنا، في مهبّ الأخطار، ملزمة، إن هي أرادت النوم بأمان، أن تبقى، بلا انقطاع، في حال مقاومة. وروح المقاومة هذه التي يجد اللبنانيون أنفسهم مدعوين إليها إنما هي، في منتهى أمرها، روح نظام، أي روح اجتماعية جامعة، وهي ردّ على الشطط وعلى أخطار السلطة الشخصية التي تبقى هشّة، على الدوام، معرّضة للقصور وللضلالة.

عدنا غير قادرين هنا على احتمال مزيد من التنازلات ترزح على السياسة العامة بغية توطيد الأوضاع الشخصية. وإنما ينبغي، على الضد من هذا، (وهذه، في المدى البعيد، مسألة حياة أو موت) أن تخضع كل الأوضاع الشخصية لضمانات النظام الروحي».

 

> الخميس 11/7/2013: سلام

يسأل الأصدقاء عن لبنان والجواب قلق، لكن قوس السماء الملون يظهر في الوقت المناسب. انه رجاء لبنان، ولنقل هو الأكثرية الناشطة ضد شعارات جديدة لحرب أهلية جديدة، أكثرية شبان وشابات وعمال ومثقفين ومزارعين مهملين، هي حتماً ضد كلام القادة الوكلاء، ومع سلام للبنان وصولاً إلى جواره العربي.

 

 

 

السابق
الحمض النووي يكشف جريمة قتل من 1964
التالي
فتّش عن الانقلاب