قلم الحبر يلهم سارة رسم طموحها بخطوط زرقاء

طرقت عالم الرسم من باب الحبر، فجاءت رسوماتها آية في الجمال، نطقت أفكارها بهواجسها، ودفعت المشاهد ليقول هذا أنا، فعلى رغم صعوبة الرسم بحبر "البيك" إلا أن الصعوبة ولدت حالة نموذجية عندها جعلت اللوحة أكثر نضجاً بأفكارها، الموسيقى تحرّكت ومعها تحرّك قلمها ليراقص خطوطها "فخرجت فتاة تعزف البيانو".
مبدعة، متألقة، تغرّد خارج سرب موهبة غير تقليدية الرسم بالحبر الناشف "البيك"… سارة حمود فتاة لم تتجاوز الخامسة عشرة، اقتحمت عالم الرسم مصادفة على رغم عدم حبّها له "لم يكن يعنّ على بالها، ولكنها فجأة بدأت ترسم المرأة، الطفولة، والحرية أخرجتها بطريقة فسيفسائية تجريدية، وربما هذا ما أعطاها هوية "متميزة".

في الليل
في الليل تخرج ريشة قلمها للبوح بأسرارها، تنكشف أمامها صورة ذات أبعاد ثلاثية "أنا والعقل والهدف". يشكل الرسم بقلم الحبر تحدياً كبيراً لسارة، فهذا الرسم هو "نوع إبداعي خيالي أكثر مما هو تجريدي". تستل قلم الحبر الأزرق، تأتي بورقة بيضاء لا هدف واضحاً أمامها، فقط تريد أن تفرغ مكنونات قلق يساورها، فجأة تبدأ الخطوط ترسم نفسها، الأزرق يتبدل بحسب معايير كل خط لتكتمل الصورة في نهايتها، تقف أمام نمط آخر من الرسم المشوّق والمثير للجدل، رسم لا يتبعه كثيرون بالنظر إلى صعوبته، ولكن صعوبته شجعت سارة على خوضه "لأنني أعشق الصعب كونه يخترق كل القوانين".
يقول المفكر العالمي كيرجارد إن "مهمة الإنسان صعبة ولكن من الصعب أن يجد القلب النبيل إلهامه". وهذا ما تسعى إليه سارة الفتاة التي تسبح في فضاء التآلق غير المألوف، الذي تعمقت فيه إلى حد أنه تحوّل "جزءاً من حياتي. فحين أحمل قلم البيك، أجد نفسي تلقائياً أرسم أفكاراً كانت تختلجني، وإذ بها تتحوّل واقعاً".
في رسوماتها تتعرف على "ذكاء فنان"، عرف كيف يحرك قلمه بما يناسب فكره وهدفه وإحساسه المتجرد من أي قيد، تفخر سار أنها تنفرد بنمط خاص من الرسم "لأنه صعب يحتاج الى دقة كبيرة ويعطيك تمايزا"، فبنظرها "التميز يعطي هوية فنية خاصة"، لا تتوانى عن التفكير بمشروع يكون بوابة دخولها الى عالم الشهرة " أتخيل مشروع المستقبل، أريد أن يكون لوحة تحمل قضية.
قبل عامٍ واحد
دخلت عالم الرسم حين كانت في الصف السابع، وعلى رغم "أنني لم أكن أحب الرسم، كنت أرسم بالألوان الزيتية، وقبل عام فقط بدأت أرسم بالحبر الأزرق الناشف. "إحساسها تلمسه عبر لوحاتها، الحياة، الإنسان، الطفولة، الحرية، الموسيقى، الأحلام، تتسرب من بين أناملها، "كلما دمجت فكرة أشعر أنني أخلق من جديد مع حلمي". في لوحاتها تتعرّف على رؤية خارقة "في سبل تدوير زوايا الخيال حقيقة"، بحسب ما تشير سارة التي تمكنت من رسم أكثر من 15 لوحة في عام، بينها حلم جسدته في لوحة "إمرأة تعزف على البيانو، هذه أنا أريد أن أكون عازفة بيانو مشهورة".
يقوم فن سارة على تقطيعات فسيفسائية صغيرة تتكون شيئاً كبيراً، "كما لو كنت تخلق حياة نابعة من خيال، أحيانا الخربشات التي أرسمها تتحول لوحة معبرة لم أكن أفكر فيها، هذا شجعني على المثابرة أكثر لكي أطوّر فنّي وأنمي الموهبة النائمة داخلي".
تكاد أن تفرض جدلية أخرى في عالم الرسم، تمايزها ينطلق من ابتكارها نوعية جديدة من الفن النابع من الذات المتّجه ناحية الآخر، في رسمها "الفتاة الصامتة"، تقدم نمطاً فكرياً تناسقياً، الألوان تفرض حيرة وحذراً ثم تأمل، "لم يأت رسمي عبثاً، بل حبُّ التآلف في عالم صعب حدا بي لأرسم أكثر وأكثر، لأنه طريق آخر للتعبير، وهو فلسفة وجودية"، تضيف سارة وهي تكمل لوحة جديدة من لوحاتها "الوجود الشبابي في عمق اللون".

دمج تجريدي تحرّري
لم تلتزم خطاً واحداً من الرسم بل دمجت التجريدي مع التحرّري، "لأن هذه الطريقة وحدها تمكن الرسام من أن يقدم لوحة تعبر عن ذات كل من يقف أمامها". حين تتأمل لوحاتها تكتشف حيرة، وربما تتعرف إلى فكر الشباب وطموحهم، "هذا ما أسعى إليه، أن أمثّل الشباب بالفن وليس أي فن، الفن الهادف المعبّر عن حرية". الليل ملجأها للرسم، "داخله أحوك قضية ما وأسترسل في رسمها، ليس سهلاً أن تبتكر قضية وتعالجها، ولكن الأهم أن تدرك أن ما ترسمه سيكون يوماً مفتاحاً للتحليل الذاتي". تقول: "أشدّ على القلم فيخرج معي اللون الأسود من الأزرق، لأن خطوطي قاسية جداً.
شاركت سارة في أكثر من معرض وحظيت لوحاتها بالإعجاب، "أدفع المشاهد إلى تفكيك ألغام الخطوط، كل من يريد أن يسأل ما المقصود؟ تركت له تفسيره كما يريد". كل لوحة من لوحاتها "أنا مختلفة، وكل رسمة قطعة مني". تعشق الموسيقى و"أحلم بمشروع فني يغيّر العالم، أدمج فيه الرسم بالموسيقى، لأن الرسم السليم هو الطريق الوحيد لمعالجة الأخطاء وتحقيق أهدافنا، فأنا أطمح إلى تقديم أفكار غريبة في الرسم بالحبر".
تكاد أن تكون الوحيدة في لبنان والعالم العربي التي ترسم بمثل هذا القلم، ويعتبر الفنان العالمي خوان فرنسيسكو كاساس رويز أبرز الرسامين بهذه الطريقة. وتُرجع سارة ابتعاد الرسامين عن هذا النوع من الرسم لأن "أحداً لا يملك الصبر ليرسم بلون واحد، يحتاج إلى الكثير من التفاصيل"، وفي رأيها "الرسم بقلم جاف أبداع لا يحتمل الخطأ".
الرسم بالحبر الأزرق يقدم إليك التجريدي الهادف في خطوط متناسقة، فيدفعك إلى السؤال أين أنا في تلك الخطوط المترامية على حدود الذات، اقتحم الحبر ميدان الرسم، قلم البيك الأزرق غدا بين أنامل سارة ريشة رسمت فيها أحلامها، فقرأها المشاهد على أنها حلمه، فهل سيتوسع هذا العالم ليكشف حلم الشباب كل على طريقته؟
  

السابق
الراي: حزب الله يريد حكومة وبري حرك مياهها الراكدة
التالي
ترو: لا يحق لحزب الله او اي فريق آخر جر النيران السورية الى لبنان