حرب تموز لم تنتهِ بعد… وإسرائيل في كلّ مكان

 الزمن السياسي مسار واحد لا ينقطع، و"حرب تموز" التي توقّفت بفعل منطوق القرار 1701، لم تنتهِ كلّياً، ولا تزال في نظر من خاضَها مستمرّة بأشكال مختلفة.


هي المصادفة على الأرجح بأن يقع تفجير "بئر العبد" في شهر تموز وقبل أيام قليلة من هذه الذكرى. مصادفة رمزية ودلالات معنوية تفضي وفقاً لتسلسل الأحداث الى استنتاج واحد: الحرب التي شنَّتها إسرائيل بإيعاز أميركي للقضاء على المقاومة لا تزال قائمة. القناعة تترسّخ عند الحديث عن النتائج الاستراتيجية لهذه الحرب، بأنّ صمود "حزب الله" وانتصاره على العدوان أسهمَ في تأخير الحرب الجارية على سوريا، وفرَض تغييراً في التكتيكات المتبعة من الخصوم.


وبدلاً من أن تدفع اميركا وإسرائيل بالجنود والقوّات الى سوريا ولبنان لـ"تفرغ" من أولئك "الاشرار"، اختار العقل الاستراتيجي الذي يدير المعركة، إطلاق حرب من نوع آخر. حرب العناوين الداخلية و"الحرّيات والحقوق والمشاركة السياسية"، تكون شعاراتها وأدواتها وأدبيّاتها "محلية"، في حين أنّ كلّ نتائجها تصبّ في مصلحة واشنطن وتل أبيب والحلفاء الإقليميين.


هذا النوع من الحروب "القذرة"، اختبرته واشنطن في أفغانستان، إبّان حقبة "الجهاد" ضد الاتحاد السوفياتي وفصول الحرب الباردة. وعادت وعاينته مباشرة في العراق عقب احتلال بغداد في العام 2003. وها هي ترعاه وتراهن عليه في سوريا للحدّ من "النفوذ الإيراني" في المنطقة، وخلق وقائع جديدة لمصلحة إسرائيل. ليس مهمّاً ضرب السنّة والشيعة وإحداث فتنة بين المسلمين. ليس مهمّاً الدفع بالمنطقة نحو التفتيت والشرذمة والتقسيم.


ليس مهمّاً دخولها في صراع قد يمتدّ سنوات بين مكوّنات الشرق الأوسط الإثنية والثقافية. ليس مهمّاً النزف المسيحي من العراق وسوريا وحتى لبنان. المهمّ أمن النفط وأمن إسرائيل. أمّا الأدوات فهي متوافرة بكثرة، والعقل التكفيري جاهز لخوض المواجهة وتوفير الذرائع وخلق الخصوم والأعداء وربّما اختراعهم.


عند الحديث عن النتائج الاستراتيجية لحرب تموز، تقفز الى الواجهة نتيجة أولى مؤكّدة، وهي أنّ بضعة مقاتلين مدرّبين مجهّزين بعقيدة قتالية هزموا جيشاً هو الأقوى على مستوى المنطقة. يعني أسقطوا قدرة التدخّل المباشر للجيوش في البر والبحر والسماء، وإمكان إحداث تغييرات جوهرية على الأرض، وفي معادلة الصراع من خلال إرسال مئات الدبّابات وآلاف الجنود. ما قامت به المقاومة اللبنانية صار نموذجاً لأيّ بلد قد يُعتدى عليه، ولكلّ حركة مقاومة وتحرير.


بعد عدوان تموز عادت "المقاومة الفلسطينية" في غزّة وأكّدت نجاح هذا النموذج في العام 2008. وأصبح هذا النوع من المواجهات كلاسيكيّاً، وبات من الواجب إحداث فجوة في "قلب" محور المقاومة والممانعة في سوريا.


فجوة من نوع جديد قوامه ضرب المنطقة بعضها ببعض، والرفع من شأن التناقضات وتسعير الخطاب المذهبي والجهوي والقبلي والإثني والعرقي، وصولاً إلى "الفتنة" وما ينتج عنها من انصراف عن كلّ قضايا العرب وحقوقهم، ومن تأبيد لوجود إسرائيل وإنهاء القضية الفلسطينية وما يتعلق بها من ملفّات، وأبرزها ملف اللاجئين الفلسطينيين.


سوريا كانت على موعد مع عدوان إسرائيلي مؤكّد لولا صمود "حزب الله". وانتصاره في تمّوز أجَّل المعركة بضع سنوات، ولم يلغِ فكرة العدوان عليها. ما نشهده اليوم هو فصل من فصول تلك الحرب المؤجّلة، ولكنّه الفصل الأهم والأبرز، ومن شأنه تحديد وجهة الصراع وهوية المنطقة لسنوات مقبلة.


إنّها أطول وأعقد حرب عربية – إسرائيلية منذ بداية الصراع. لقد جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار في ذلك اليوم من منتصف آب من العام 2006، لكنّ الحرب لم تتوقف. تغيّرت الوجوه والجبهات لكنّ المضمون هو نفسه… إسرائيل في كلّ مكان.

 

السابق
واشنطن تدعو مصر إلى الإفراج عن محمد مرسي
التالي
«إسرائيل» تستعد لتنفيذ ضربة عسكرية لحزب الله