الداهية باراك أوباما

 ليس التخبط بالتأكيد، هو الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية، تغير بين ليلة وضحاها، موقفها «المبدئي» من التحولات التي تعيشها مصر. فلا شيء يترك للصدفة في بلاد العم سام.

في الليل كان تدخل الجيش المصري للإطاحة بالرئيس محمد مرسي موضع «شك» و«قلق» شديدين ودراسة متمعنة لمعرفة إن كان «انقلابا» أم لا. وفي اليوم التالي، قررت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جنيفر ساكي: «إن حكم مرسي لم يكن ديمقراطيا» لأن الديمقراطية في رأيها «ليست فقط مجرد الفوز بالتصويت في صناديق الاقتراع». وهذا بالفعل غريب على دولة طالما حدثتنا عن قدسية صناديق الاقتراع. ويزداد المرء تعجبا حين يقترن هذا التصريح بقرار أميركي يقضي بإمداد الجيش المصري، الذي كان مغضوبا عليه، قبل ساعات فقط، بطائرات «إف 16».

هذا ليس تخبطا، كما يحلو للبعض أن يراه، بل هو خبث وتخطيط شيطاني. فقد دعمت الولايات المتحدة الإسلام السياسي على أنواعه في كل بلد عربي، لتتخلى عنه حين تجد الوقت مناسبا. وهذا بالطبع سيؤدي إلى صدامات في مصر، وبعدها تونس على ما يبدو، وقبلهما لبنان وسوريا، فيما العراق على شفير حرب أهلية، وليبيا لا تزال ترتع في مستنقعها، وغزة جزء لا يتجزأ من الخطة. النزاعات هنا محمودة ومطلوبة، ولا ضير فيها لا على أميركا الواقعة خلف المحيطات، ولا حليفتها إسرائيل التي أمنت حدودها لمائة سنة مقبلة، بفضل هذه المواقف الأميركية الشديدة المكر والمتدثرة باللامبالاة، والتي أتاحت، بخطط من تحت الطاولة، لكل العصبيات، والأحقاد، أن تخرج من قمقمها وتتسلح وتتقاتل. فثورات الشعوب العفوية شيء، واستغلال توق الناس إلى الحرية، وتقوية طرف ودعمه وأحيانا تسليحه على حساب طرف آخر، هو إخلال خطير بالتوازنات الداخلية لأي شعب.

تقول أميركا إنها لم تسلح المعارضين السوريين، وهذا نسبيا صحيح، لكن أميركا تركت – وعلى الأرجح وافقت على – تدفق السلاح على «جبهة النصرة»، من حدود حليفتها تركيا ومعه المقاتلون المتطرفون لمدة أكثر من سنة ونصف، لتقنعنا أنها اكتشفت: «متأخرة طبعا»، أن إمداد المعارضة السورية بالسلاح يشكل خطرا، بسبب وجود متشددين وإرهابيين، علما بأن الصحف الأميركية – فما بالك بـ«السي آي إيه» – نشرت تقارير منذ أكثر من سنة، حول تنامي أعداد المتطرفين وتصاعد سطوتهم، على المعارضة ككل. ويأتي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارتن ديمبسي منذ أيام، أي بعد أكثر من سنتين على بدء الثورة، وكأنه صحا صحوة أهل الكهف، ليخبرنا ببراءة أن «الولايات المتحدة تواجه معضلة في سوريا قد يستغرق حلها 10 سنوات». وفي تشخيص عبقري يقول ديمبسي «إن هذا النزاع تم اختطافه، من قبل متطرفين في كلا الطرفين، وهما تنظيم القاعدة من جهة وحزب الله اللبناني وتنظيمات أخرى من جهة ثانية». ولكن ماذا لو كان غاية ما سعت إليه الولايات المتحدة الأميركية هو جر الطرفين المتطرفين، السني والشيعي، إلى الساحة السورية، وتركهما يتقاتلان حتى ينهكا ويستنفدا. لتصيب أميركا ومعها إسرائيل أكثر من عصفور بحجر واحد. فالدولة السورية انهارت تماما أو تكاد، والجيش السوري يكتب سطوره الأخيرة، كما جرى إنهاء الجيش العراقي على يد الأميركيين ذات اليوم. ومع المعارك التي اضطر حزب الله لدخولها، بدل انتظار وصول «جبهة النصرة» إلى مواقعه في البقاع، فقد الحزب بحسب التقارير مئات العناصر، هذا عدا الضغط اللبناني الشعبي الداخلي، والحرج السياسي، ووصول التفجيرات إلى داخل الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله الآمن في بيروت.

حققت إسرائيل من قتال المتطرفين سنة وشيعة في سوريا، ما لم تنجزه منذ عام 1967. في حروبها على العرب. ولم تكن إسرائيل لتحلم بأن ترى الدولة السورية، بما تعنيه للعرب جميعا، مدمرة، وحزب الله مستضعفا على هذا النحو، بحروبها الكلاسيكية. ولم تتمكن أميركا في حربيها المكلفتين على أفغانستان والعراق من أن تجعل «القاعدة» التي كانت تجتهد وتغامر لتفوز بضرب منشآت أوروبية وأميركية، لا تبغي، اليوم، غير العرب والمسلمين، كهدف أول وأخير لها.

وإضافة إلى الحروب الشيعية – السنية المشتعلة في سوريا والعراق ولبنان التي أمنت الحدود الإسرائيلية من جهتين أساسيتين، ثمة حروب سنية – سنية يحضّر حطبها، ويتوجب التنبه من عِظم خطرها، في حال استفحلت بالفعل في كل من مصر وتونس وربما السودان وغزة، وأماكن أخرى.

غضت أميركا الطْرف، أم خططت وشاركت، تحت عنوان «التردد» و«التخبط» المصطنعين، فإن ما أنجزته الحليفتان أميركا وإسرائيل، في السنوات الثلاث الأخيرة، أشبه بما لا يراه الغرب إلا في الأحلام. أما بالنسبة للعرب فما خسروه، جماعيا، يجعلهم في كابوس تصعب الاستفاقة منه. لذلك ينطبق المثل العربي القائل «يا ما تحت السواهي دواهي» على الرئيس الأميركي ذي السحنة الهادئة والمسالمة باراك أوباما. فما فعله هذا الرئيس الذي احتفى به العالم العربي يوم انتخابه، على اعتباره رمزا للتثاقف والحوار، لم يتمكن جورج بوش بكل عنترياته الحربية واستعراضاته السوبرمانية، وتضحياته بالأموال والأرواح، من أن ينجز عشره.

 

السابق
في النهاية نظام الأسد لن يدوم!
التالي
الجيش السوري الحر يقتحم “باب الحارة”