البلطجي

 ربما لم يكن ممكناً أخذ الحديث على محمل الجد لو لم تبثه فضائية «أون تي في» وتتناقله مواقع التواصل الاجتماعي. فلو صودف صاحب هذا الحديث في شارع أو مقهى لأعطى ذلك الانطباع عن «مختل عقلياً» لا يمكن محاسبته أو الدعوة إلى النيل منه في رد فعل على حديثه.

الرجل الذي ظهر على الفضائية المصرية دعا إلى إعدام الفلسطينيين والسوريين الذين يتدخلون «بينه وبين أخيه»، وحتى لو كان من أي دولة «غير مصرية». لا نعرف من هو هذا الرجل الذي تداولت مواقع التواصل الاجتماعي 35 ثانية من كلامه واصفة إياه ببلطجي مصري. بدا مريضاً نفسياً من هيئته، ولا يدل حضوره على أنه يمثل صفة سياسية أو اجتـــماعية، وليس هنا مجال تفحص ملابسه وإشارات يديه القاطعة وصوته الأجش… ربما لا يجدي هذا على الإطلاق. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه هنا يتعلق بالعامل الأخلاقي الذي نفترض أن الفضائية التزمت به ولو شــكلياً، بميثاق شرف البث الفضائي، في ما تتيح له الحضور من باب الإثارة والتجييش الأعمى المقزز ضد الفلسطينيين والسوريين. وهذا يدفــع للظن أن الفضائية تلك متواطئة لإفساحها المجال أمام هذه النماذج لتقول كلاماً لا يجوز التساهل معه.

ليس هنا مجال استحضار مشاركات العرب وغير العرب في الثورات. وربما كانت الدعوة إلى تصفية المشاركين هنا أو هناك محصورة في حدود ضيقة غير ممتهنة كتلك التي ظهر عليها هذا «البلطجي» الذي لا نعرف له صفة أو حضوراً سابقاً.

ليس بوسع فضائية «أون تي في» التنصل من مسؤوليتها الأخلاقية والمهنية، ولكن بوسعها أن تتوقف عن صب الزيت على النار التي تهدد «أم الدنيا». فقد يصدق بعضهم من الآن فصاعداً أن ثمة استنتاجات وأجندات تسير عليها محطات، وهي تلهث نحو إثارة الغرائز الدنيا لدى بعض البلطجية الذين تستضيفهم بين الفــينة والأخرى ليطلقوا نيران حقدهم الطائفي والمذهبي والعرقي، وما عدا ذلك لا يمكن تصديق أن الإصرار على ظهور هذا الكلام على شاشـــة فضائية بحجم «أون تي في» جاء مصادفة ومن دون حسابات، إذ لا يمكن عاقلاً مهما بلغت حدة انتقاده للجاليتين الفلسطينية والسورية في أرض الكنانة أن يتحدث عن «الإعدام» بشهوة لا تقل عن تلك التي نجدها في الأفلام الروائية.

 

السابق
دولة الشريعة عند ابن سينا
التالي
إنفكاك تحالف «8 آذار» وعون نهائي داخلياً