12 مليار دولار؟

المليارات الخليجية ال١٢ التي انهمرت على مصر فور عزل الرئيس محمد مرسي وإسقاط حكم الإخوان المسلمين، لم تكن مؤشرا على ان السعودية والإمارات والكويت صارت دولا علمانية او حتى مدنية، مثلما لم تكن المليارات الخمسة التي سبق ان قدمتها الدوحة الى السلطة المصرية الإخوانية دليلا على ان قطر أصبحت دولة إسلامية.

في الموقفين الخليجين المتناقضين تجاه مصر والتحولات السياسية الكبرى التي تشهدها ما هو ابعد بكثير مما قيل عن صراع او تنافس خليجي داخلي، او بالتحديد صراع او تنافس بين قطر وبين بقية الدول الخمس الأعضاء في مجلس التعاون على الزعامة او على الريادة.. او حتى على الدور والنفوذ في البلد العربي الأكبر والاهم والأقوى من الدول الخليجية الست مجتمعة، ومن ملياراتها التي يمكن ان تعين المصريين في أزمتهم المالية الراهنة، على المدى القصير، لكنها لا يمكن ان تغير وجهتهم السياسية على المدى البعيد.

استعراض المليارات السعودية والإماراتية والكويتية ال١٢، يمكن ان يضيع هباء او يبتلعه الاقتصاد المصري المضطرب،في اقل من سنة، مثلما سبق ان ضاعت المليارات القطرية الخمسة، ولم تجد نفعا في حماية سلطة مصرية كانت تبدو قبل ٣٠ يونيو حزيران الماضي أنها راسخة وثابتة، لكنها سقطت بسرعة قياسية وتحول رموزها الى سجناء او مطاردين او محاصرين.. من قبل شارع لا يرحم ومؤسسة لا تغفر.

جدوى هذا الاستعراض المالي السعودي الاماراتي الكويتي الاخير كانت وتبقى ضئيلة إذا ما قيست بحجم مصر واقتصادها وسكانها، وهي لن تخدم اكثر من بضعة اشهر في ضمان الاستقرار النقدي وفي توفير السيولة اللازمة لاستيراد الحاجيات الأساسية، لا سيما الغذائية.. وكذا الامر بالنسبة الى البعد السياسي لهذا الاستعراض الخليجي الذي كان ويظل عابرا، وقاصرا عن تشكيل وعي الشعب المصري وثقافته وإرادته.

الأمر كان اشبه بسباق خليجي على كسب ود المصريين ونيل رضاهم، وحجز بطاقة حضور في بلادهم في المرحلة المقبلة، والاهم من ذلك السعي الى درء المخاطر السياسية التي يمكن ان تمثلها التجربة المصرية على الأوضاع الداخلية في جميع دول مجلس التعاون من دون استثناء، سواء ذهبت تلك التجربة في اتجاه دولة ديموقراطية مدنية حقيقية، او في اتجاه دولة إسلامية يديرها مرشد إخواني..

بديهي القول ان هذين الاحتمالين غير محببين لأي من الأسر الخليجية الحاكمة، التي أطلقت ملياراتها بشكل لم يسبق له مثيل.. وبمعزل عن اي نصيحة او توصية من اميركا التي كانت ولا تزال مترددة ازاء التحولات المصرية الاخيرة، بل فقط بالاعتماد على حسها السياسي الغريزي، المبني على حسابات داخلية خاصة بكل مملكة او امارة خليجية كبيرة كانت ام صغيرة.

هذه الحسابات بدت في أعقاب تغيير الحكم في مصر متعارضة في ما بينها. وهذا صحيح الى حد ما. لكن الاهم من ذلك انها عبرت عن تفاوت في درجات الخوف او القلق السائد في مختلف بلدان الخليج العربي من إلاسلاميين والديموقرطيين الخليجيين، الذين كانوا الحافز الأهم لخروج تلك المليارات من الدولارات من الخزائن.. مصحوبة هذه المرة بانفعال سعودي وإماراتي وكويتي غير عادي لن يساهم بالتأكيد لا في حسم الخيار الديموقراطي المصري ولا في انهاء الخيار الاسلامي المصري والخليجي على حد سواء..

مع ذلك، فان ضياع مليارات الدولارات الخليجية في مصر يبقى افضل من هدرها في اماكن اخرى.

السابق
ريفي: الوضع السوري ينعكس مباشرة على الوضع الأمني في لبنان
التالي
هل تَعطَّل الثلث المُعطِّل؟