ما بين السنة والجيش واقع غير سليم!

هناك حقائق لا يمكن إنكارها؛ أزمة ثقة بين السنة في لبنان وبين قيادة الجيش اللبناني، في مقابل نفوذ قوي لـ “حزب الله” داخل الجيش ولا سيما مخابراته. في هذا الواقع ثمة مُحرَجان كبيران؛ القيادة العسكرية للجيش والقيادة السياسية للسنة.
لدى القيادة السياسية للسنة؛ تبدى هذا الإحراج عندما سارع الرئيس سعد الحريري -بعد معركة عبرا- لتجديد تأييده التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، بناءً على تفاهم سابق. سبّب له هذا الإعلان خسائر إضافية في الشارع السني، فضلاً عن النزيف المستمر جراء غيابه عن هذا الشارع، ونشوء جماعات تأكل من شعبيته، من بينها ظاهرة الشيخ أحمد الأسير نفسه.
لدى القيادة العسكرية ثمة إحراج آخر؛ فهي تتعامل مع واقع على الأرض. في معركة عبرا؛ لم تتخذ قيادة الجيش قراراً باشتراك مقاتلين من غير القوى الرسمية إلى جانبها، لكنها وجدت نفسها على الأرجح في خضم معركة؛ “حزب الله” طرفاً فيها، يقاتل بسلاحه، وفي بقعة القتل نفسها، فكان لا بد من “التنسيق”. ولاحقاً لم يعد بمقدور قيادة الجيش إجراء تحقيق شفاف يقر بهذا الواقع الأكيد، ولا “حزب الله” يرضى أيضاً، تحت طائلة خلق إشكالات كثيرة في البلد وللجيش.
بين الإحراجين ثمة فجوة لا بد أن تردم؛ فقبل ست سنوات كان الجيش محضوناً ومدعوماً من السنة على شكل غير مسبوق، في مواجهة عصابة شاكر العبسي؛ وقتها كان الزعيم الشيعي الأبرز حسن نصر الله يضع خطاً أحمر على حركة الجيش. وطوال سنوات طويلة كان السنة رافعة لتحركات 14 آذار التي لا تريد سلاحاً غير الجيش. السنة – بما في ذلك المتشددون منهم- يريدون هذا بالفعل اليوم، ولكن المشكلة أن ثقتهم بالجيش اهتزت جراء قناعة متزايدة في صفوفهم بأن مفاصل أساس فيه تقع تحت تأثير “حزب الله”.
يضع هذا الواقع أمام قيادة الجيش تحدياً هائلاً لإزالة هذا الشعور، لا يقل عنه سوى تحدي إعادة تلميع صورة الجيش اللبناني جراء ممارسات مهينة تعرض لها عشرات الموقوفين بعد معركة عبرا؛ كثيرون منهم لم يكن لهم علاقة بما جرى، وقد تعرضوا للضرب والإهانة، وقضى أحدهم تحت التعذيب، وتواردت مشاهد مصورة فيها تعذيب مرفق مع عبارات مذهبية. وقد زاد الطين بلة؛ أن الحزب أخذ على حسابه -في صيدا- القيام بمهام القوى الرسمية توقيفاً، وتحقيقاً، ثم تسليماً لمديرية المخابرات في الجيش، الأمر الذي فاقم النقمة الشعبية والشعور بالانحياز.
وإذا كان من غير الواضح الآن كيف ستتصرف قيادة الجيش إزاء هذا الواقع، الذي لا ينبغي أن يبقى قائماً، حرصاً على مستقبل البلد ومشروع الدولة، فإن التمديد لقائد الجيش الحالي يبدو أنه بات صعباً، بعد معركة عبرا، لأن العماد ميشال عون لا يريد هذا التمديد ولديه مرشحه؛ صهره شامل روكز، وتيار “المستقبل” محرج في التمديد، وهو يدرك أنه خيار غير شعبي، لذلك جاء القبول اللاحق ربطاً بعودة اللواء أشرف ريفي، سيما أن قيادة الجيش لم تقدم حتى الآن ما يسكت الانتقادات على خلفية ما يعتبره كثيرون خضوعاً لـ “حزب الله”.
ثمة مطلب؛ ربما هو أهم من التحقيق، يمكن من خلاله تصحيح الواقع جزئياً، يتمثل بتفكيك الجيش اللبناني جميع الشلل المسلحة في صيدا، التي تسمى “سرايا المقاومة”، إضافة إلى توقيف المطلوبين للقضاء من قادة هذه السرايا. “حزب الله ” الذي “يحب” الجيش كثيراً ويتغنى بشرعية سلاحه لا يرضى بذلك، وهو لم يخف هذا الأمر، رغم أنه حاول امتصاص الغضب بتسليم شقة لديه في عبرا لعائلة من مؤيديه مؤقتاً، لكن على قيادة الجيش أن تحزم أمرها.
وبالإذن من العماد ميشال عون فإن ما حصل في عبرا “لم يكن نظيفاً”، كما أن ما حصل بعد ذلك كان أكثر بكثير من ضرب كفين لمعتقل أو عشرات المعتقلين – كما جاء على لسان عون-، إلا إذا صارت ضربة الكف سبباً للوفاة (الشهيد بيومي). وفي الأحوال كلها؛ فإن دفاع عون أو الحزب أو جماعة 8 آذار عموماً عن الجيش، ليس دليلاً على احترامه والحرص عليه حقيقةً، لأنه في أهم جيوش العالم، عندما تثار قضايا بحجم ما جرى في عبرا، فإن تحقيقات تُفتح، ووزارء يستقيلون.
وفق ما تقدم؛ فإنه ليس غريباً القول؛ إن كثيرين ممن ينتقدون الجيش اليوم هم الأكثر حرصاً عليه، وإن كثيرين ممن يغدقون الثناء على الجيش اليوم هم الأقل حرصاً، إن لم نقل إن بعضهم ممن يضمرون له السوء!

 

السابق
زوج رلى تفنن بتعذيبها حتى الموت
التالي
هل ينجو حزب الله من حرب استنزاف؟