ما بعد متفجرة الضاحية: ضرب الاعتدال السنّي

لم تكن متفجرة بئر العبد مفاجئة لكثير من المراقبين، تماماً كما أنها لم تكن مفاجئة لـ «حزب الله» الذي رفع في الأشهر الأخيرة مستوى إجراءاته الأمنية ووتيرة عمله الاستخباراتي في الضاحية الجنوبية، ولا سيما في ما خص مراقبة بعض اللبنانيين وغالبية السوريين في تحركاتهم الميدانية واتصالاتهم الخليوية، وحتى حركتهم عبر «الإنترنت». فحجم تورّط «حزب الله» في النزاع السوري ومشاركته في سفك دماء الشعب السوري المعارض للنظام، وتباهيه بما حققه من «نصر» في غزو واحتلال مدينة القصير، وتوغله في التورّط  في معركة حمص، وفي الانخراط في الحرب الدائرة على كامل مساحة سوريا، سيؤول حتماً إلى استهدافه ومناطق نفوذه في إطار ردّات الفعل على ما يرتكبه، أو على الأقل تهيئة الأرضية الملائمة لذلك.

ولعل المفاجأة تكمن في مستوى مكابرة «حزب الله» ومضيه في نكء الجراح وتسعير المناخات المذهبية، عبر الهجوم المنسّق، الذي توزعه وحليفه التيار العوني والمنظرون له على قوى الرابع عشر من آذار، ولقاء مجدليون الذي جاء رداً على استباحة الحزب لمدينة صيدا متلطياً بالجيش اللبناني ومشاركاً معه في معركته ضد إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير وأنصاره على خلفية استهداف حاجز الجيش على حدود المربع الأمني للأسير. فالاتهامات التي كالها سياسيو «8 آذار» ضد المجتمعين في مجدليون وضد النائب بهية الحريري، قبل أن تخمد نيران التفجير، تدل، في رأي المراقبين، على محاولة الحزب التصويب نحو الداخل تعمية لسؤال بديهي عما إذا كانت مناطق نفوذ الحزب قد بدأت تدفع ثمن انغماسه في وحول الحرب السورية. وهو سؤال لا بد من أن يتكرّر في ظل اقتناع أن تفجير بئر العبد ليس سوى البداية التي سيدفعها لبنان جرّاء تورّط الحزب في سوريا. ولن يكون بمقدور الحزب، المعتدّ بترسانته العسكرية وفائض قوته، حماية مناطق نفوذه وجمهوره وبيئته الحاضنة من التفجيرات الأمنية، وليس أدل على ذلك من تفجير الثلاثاء الذي استطاع منفذوه اختراق قلب الضاحية وتنفيذ عمليتهم.

فالتفجير جرى تبنيه من قبل فصيل سوري، ضمن الجيش السوري الحُر، يُعرف بـ «اللواء 313 مهام خاصة». وهو ليس بفصيل وهمي بل له حضوره ووجوده وقيادته وأفراده وصفحته على موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» وشرائط فيديو ترويجية لعملياته ضد النظام السوري.
وكان لافتاً محاولات التعمية على هذا التبنّي، في وقت أن القراءة المتأنية للبيان تقود إلى جملة من الاستنتاجات: أولها أن تفجير الضاحية لم يكن الأول، بل جرى استهداف عناصر لـ «حزب الله» في منطقة كسارة – زحلة الشهر الفائت. وثانيها، أن العملية لم تكن عشوائية بل استهدفت مقرّات أمنية، رغم عدم القدرة على تأكيد ذلك. وثالثها، أن العملية هي رد على قتال «حزب الله» في حمص، ولن تكون الأخيرة حتى تتوقف مشاركة الحزب في سفك الدم السوري. أما رابعها، فهي أن الجهة المنفذة ليست جهة إسلامية متطرفة أو تكفيرية، وفق مفهوم «حزب الله»، الذي زعم أنه ذهب إلى سوريا لمقاتلتها هناك قبل أن تنقضّ عليه في لبنان، بل هي جهة من نسيج المجتمع السوري الذي انتُهكت حرماته على يد الحزب. ولعل الاستنتاج الخامس الذي يضع لبنان الرسمي، بمؤسساته السياسية والأمنية أمام مسؤولياته، يتمثل في اعتبار البيان أن العملية تأتي أيضاً بعد «عجز في المشهد السياسي اللبناني عن لجم الحزب من التدخل في سوريا، وثبوت تواطؤ بعض أجهزة الدولة اللبنانية في دعم ميليشياته».

غير أن الخطورة تكمن في المشهد الذي ارتسم في الضاحية بعد الانفجار، وما حمله من دلالات، في مقدمها:
– اندفاعة الحزب وحلفائه في اتجاه ضرب ما تبقى من جسور مع الاعتدال السنّي وما تمثله الحريرية السياسية، بعدما أعلن حرباً على التطرّف السنّي والتكفيريين من بوابة سوريا وصولاً إلى المدن السنّية الكبرى التي اجتذبت قيادات إسلامية فيها بعضاً من شبّانها على خلفية الشعور بالكبت والذل والاحتقان، وشكلت ظاهرة الأسير في صيدا إحدى تجلياتها.
– ارتفاع اللهجة المذهبية في وجه الجيش اللبناني من خلال صيحات مجموعات شبابية في موقع الانفجار مطالبة بجيش الحسين بديلاً عن الجيش اللبناني.
– الاعتداء على وزير الداخلية ومحاصرته بما يمثله من سلطة سياسية رسمية، وهو الاعتداء الذي كشف حجم اهتراء صورة الدولة وهيبتها، وشعور البيئة الحاضنة للحزب بأنها قادرة، بفائض قوته، على ممارسة العقلية الميلشياوية تحت عباءة الأهالي الغاضبين.

إنه مشهد لا يتوقف عند نتائج حملات التحريض للربط بين أحداث عبرا ومتفجرة بئر العبد والتعبئة المذهبية، بل يتعداه إلى إظهار المدى الذي يمكن للحزب وحلفائه وبيئته الحاضنة من الذهاب إليه بعيداً في وجه اللبنانيين الآخرين وشل المؤسسات السياسية و«تطويع» المؤسسات الأمنية والعسكرية التي ربما آن الأوان لطرح السؤال المحوري حول طبيعة العلاقة بينها وبين الحزب ومدى هيمنة الأخير عليها، في وقت لا يبدو معه أن الحزب مهيأ لإعادة النظر في حساباته الداخلية والإقليمية وفي تغليب المصلحة اللبنانية، فيما قوى الرابع عشر من آذار، وفي مقدمها «تيار المستقبل»، تعيش حالاً من العجز على خلق آليات المواجهة المطلوبة، وتعتري هواجس الحادي عشر من أيار النائب وليد جنبلاط، الذي بات أسير سياسة الأمر الواقع!

 

السابق
احمد الاسعد: حجبوا عنا تقريرا طبيا يدحض كلام نصرالله
التالي
بحثاً عن عادل إمام