جنبلاط مش خايف.. مبلا خايف

يهنأ النائب وليد جنبلاط بنعيم الاجراءات الأمنية المخفضة رغم رؤيته السوداوية لتطورات الأوضاع السياسية في المنطقة بأكملها. وسعياً منه لدرء الفتنة وعدم إعادة عقارب
7 أيار الى الوراء، كان لا بدّ من تغييرات أمنية في منطقة عاليه، وانفتاح غير مسبوق على قيادتي حزب الله والحزب القومي .

لم يعد رئيس جبهة النضال الوطني ذاك الزعيم المطارد بهاجس الاغتيال. عيناه الغارقتان في محجر الموت قبل سنوات لاقتا الأمان سريعا، فآثرتا خفض اجراءاته الأمنية. يمكن المارة في كليمنصو رؤيته أحياناً جالساً في باحة منزله، كأن سلاماً حلّ عليه من حيث لا يدري. ربما هو ارتياحه إلى تحوله السياسي ومبادرته الى التخفيف من حدّة الكلام التحريضي لحماية نفسه وحزبه والمحيطين به. أو هو انصياع لنظريته بقلة جدوى الحماية الأمنية مهما علا سقفها عندما يدقّ ناقوس الاغتيال. «سلام» جنبلاط هذا تقابله رؤية سوداوية «للعظيم السياسي الآتي»، اذ لا يمكن لزواره الا الخروج بعيون مرتعبة تبحث يمينا ويسارا عمن يهدئ من روعها. ينقلون عن البيك ترداده كل لحظة وأخرى بوجه متجهم «شعوره السيئ» على مسامعهم. باختصار جنبلاط الخائف من التطورات السياسية والاقليمية لا يسرّ زواره أبدا.
في الآونة الأخيرة، فقد جنبلاط اهتمامه بلقاءات مجلس قيادة الحزب الاشتراكي التي كانت تُعقد أسبوعيا برئاسته، والاجتماع الأخير يكاد لا يذكر الحاضرون أنفسهم تاريخه. وحتى حين يدعوهم جنبلاط الى لقاء موسع يفاجَأ هؤلاء بعدم حضوره لترؤس الاجتماع، وقد باتت اجتماعاتهم الحزبية تقتصر على تلك المنعقدة في أمانة السر العامة في منطقة الكولا، أي في مكتب المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية سابقاً. خلال لقائه الأخير بالكوادر الحزبية من قيادات ونواب ووزراء ومفوضين ومعتمدين ووكلاء داخلية ومدراء فروع، دعاهم الرئيس الى الوعي والتخفيف من التصريحات قدر الإمكان دون التجريح بأي شخصية سياسية. أوعز اليهم التنسيق دوريا مع حزب الله عبر اللجان التي تشكلت عشية 7 أيار قائلا: «حزب الله ما قاري حدا، لنعمل كي لا يحدث 7 أيار جديد». وأيضا أبلغهم أنه على تنسيق دائم مع الجيش وقوى الأمن «ولن أغطي أي مخلّ بالأمن أو مثير للفتن أكان حزبيا أو مناصرا». الحاضرون، بحسب قولهم، اعتادوا أسلوبه وطريقة عمله ويكفيهم اجتماعهم المقتضب به (لا يتعدى 15 دقيقة) ليلتقطوا رسائله بسرعة ولو لم يستسيغوها.
عشية إطلاق الصواريخ من عيتات (قضاء عاليه) باتجاه الضاحية الجنوبية، عاش جنبلاط أسوأ لياليه. أحسّ بقبضة الفتنة تضيق خناقه ووجد أمن عاليه الذي ظنه ممسوكا، غير ممسوك البتة. بناء عليه، استدعى «الحرس القديم» وعمد الى استبدال وكيل داخلية منطقة عاليه الثانية وسام القاضي، التي تضم الشحار الغربي وصولا الى بيصور وكيفون وعيتات والشويفات وبشامون بالوكيل السابق زاهي الغصيني، المعروف بأبو إياد، على اعتبار أن الأخير رجل ميداني تولى سابقا مسؤوليات عسكرية، وأنه قادر على ضبط تلك القرى الحساسة المطلة على مناطق نفوذ حزب الله. من جهة أخرى، وبناءً على اتفاق لجنة مشتركة من الحزب الاشتراكي وحزب الله، جرت زيارات استطلاع ميدانية في عاليه تبدأ من رأس الجبل أو تلة «الثلاث ثمانات» مروراً بعيتات وصولاً الى غالبية القرى المواجهة لبيروت بهدف التمشيط الأمني للمنطقة. إشارة هنا الى أن التنسيق الميداني بين الحزبين انقطع منذ قرابة الستة أشهر على خلفية التوتر الذي ساد إيواء جنبلاط لمعارضين سوريين، ولكن ما لبث أن استؤنف بعد فترة وجيزة لتعود الأمور الى سابق عهدها. كذلك يعمل الاشتراكي على نحو فردي أخيراً على تسيير «دوريات» في القرى تعمل تحت غطاء البلديات كالشويفات وديرقوبل، بحجة حماية القرى.
وبعد انقطاع دام نحو سنتين أي منذ بداية الأزمة السورية، بادرت قيادات الاشتراكي بايحاء من المختارة الى الاتصال بمسؤولي الحزب القومي في عاليه، استتبع باجتماع ثنائي حضره النائب أكرم شهيب ومسؤول قومي الى جانب مسؤولين من القرى، تناول البحث بشؤون المنطقة الأمنية رغم تحفظات القومي على حصر الحديث في هذا الشقّ، على اعتبار أن الحزب «ليس مجموعات أمنية، بل جزء من أهالي الجبل، لذلك من الضروري أن يتطرق البحث في كل الشؤون بما فيها الانماء والخدمات»، وفقا لمصادر الحزب القومي. أبلغ شهيب جنبلاط طلبات القومي، فأتى رد المختارة ايجابيا مرفقا بدعوة الى فتح النقاش على كل الأصعدة. سريعاً ترجمت أقوال جنبلاط باجتماع فرعي في الشويفات بحث في مختلف الأمور التي تهم المنطقة، نظرا لحساسيتها. وجرى الاتفاق على متابعة التنسيق وعقد اللقاءات الدائمة بين الطرفين. أما الهدف من تلك الخطوات، فترده مصادر الحزب الاشتراكي الى «هواجس جنبلاط ومخاوفه من افتعال أي مشكلات في الجبل ورغبته في الانفتاح على جميع الأحزاب تداركا لتدهور الأوضاع كما لا يشتهيه أحد».
على المقلب الآخر، يثابر جنبلاط حاليا على التواصل مع مشايخ لا يدورون في فلكه، محاضراً عن أهمية وحدة الطائفة والابتعاد عن الخلافات. كذلك يركز على تحسين وضع الكشاف الاشتراكي ومنظمة الشباب التقدمي (أبو فاعور كان عضوا في تلك المنظمة قبل توزيره) عبر إبعاد الوجوه القديمة واستبدالها بوجوه شبابية نشيطة. ويعمل آنيا باهتمام كبير ومتابعة مباشرة وفقا للمقربين منه، على مشروع عربي كبير في المدينة الكشفية العائدة للحزب الاشتراكي في عين زحلتا قضاء الشوف، سيجمع مستقبلا آلاف الكشاف من مختلف الدول العربية، وذلك من أجل «تفعيل التبادل الثقافي ضمن المدينة التي ستضم مكاتب كشفية دائمة داخل أسوارها»، فيما لا يزال يتابع حركته الاجتماعية أيام السبت من كل أسبوع، فيستقبل الوفود الشعبية والجمعيات والبلديات التي تؤم المختارة لفضّ همومها في جعبة البيك.

السابق
خطة استراتيجية للتنمية في صور
التالي
تفجير 4 عبوات قبل انفجار بئر العبد