رسالة بئر العبد ستحمل جواباً نوعياً

مخيفة لا بل مرعبة تلك السيارة المفخّخة التي انفجرت في بئر العبد. صحيح انّ الأضرار البشرية جاءت خفيفة قياساً الى حجم العبوة، إلّا انّ دلالات الانفجار أو الرسائل التي حملتها السيارة المفخّخة جاءت مخيفة.

أولاً، أجمعت الأوساط السياسية والمصادر الامنية على اختلافها أنّ سيارة بئر العبد جاءت بمثابة اول عملية في اطار سلسلة طويلة متوقعة، وليست أبداً كعملية إرهابية وحيدة معزولة في مكانها وزمانها.

ثانياً، تعمّدت الجهة التي تقف وراء الانفجار توجيه تحذير من خلال عملية التفجير أو ربما إرسال إنذار بدليل أنها تقصّدت وضع السيارة في مرآب للسيارات بحيث لا يؤدي الانفجار الى أضرار بشرية كبيرة. وتقول مصادر أمنية انه لو تمّ ركن السيارة بعد حوالي عشرين متراً لكان حجم الضحايا اكبر بكثير بسبب الشارع الضيّق والبنايات الملاصقة ما يجعل الانفجار محصوراً أكثر وأضراره أكبر.

ثالثاً، اختيار الجهة الفاعلة لمنطقة كانت تعتبر سابقاً جزءاً من المربّع الأمني وحيث انّ مكاتب لمسؤولين أمنيّين في حزب الله موجودة هناك وليس بعيداً عن مكان الانفجار.

رابعاً، القدرة العالية لهذه الجهة في اختيار المنطقة ودراسة خطة الدخول والأهم خطة الخروج، ما يؤكد أنّ الفريق الذي نفّذ العملية كان مؤلفاً من عدة اشخاص، ومن اكثر من سيارة.

خامساً، لم يكن هنالك من مجال للخطأ بحيث انه جرى تشغيل العبوة من خلال ساعة توقيت، ما يؤكد انّ الهدف هو حدوث الانفجار بحدّ ذاته وليس استهداف شخص ما، كما انّ الانفجار حصل بعد وقت قصير من ركن السيارة خشية اكتشاف السيارة وتفكيكها من قبل أمن حزب الله.

وفيما انشغلت الأوساط الأمنية في تحقيقاتها لاكتشاف الخيوط التي تؤدي الى هوية الجهة المنفّذة، بدت الترجيحات وكأنها تستبعد فرضية مشاركة لبنانيين في عملية التنفيذ، لا بل انّ هذه الفرضيات ذهبت في شبهاتها حول ان المنفذين إمّا انهم سوريّون او فلسطينيّون مع ترجيح الاحتمال الثاني، ومع التذكير بأنّ الجهة المنفذة شيء والجهة التي خططت شيء آخر.

واستذكرت هذه الأوساط زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس والتي هدفت بالدرجة الأولى الى فصل الواقع الفلسطيني عن الصراع الحاصل في لبنان والذي يحمل ابعاداً اقليمية.

وصحيح انّ مهمّة عبّاس جاءت بعد احداث عبرا والتي شارك فيها احد الفصائل الفلسطينية (جند الشام) إلا انه من الواضح انّ الرئيس الفلسطيني يخشى (بناء لمعلومات) من محاولة استخدام الفلسطينيين في الصراع الحاصل إن في سوريا او في لبنان، وأن يكونوا وقوداً في لعبة لا تعرف الرحمة.

وكان لافتاً في هذا الإطار مسارعة اسرائيل في نفي أي تورّط لها في انفجار بئر العبد، وذلك بعد ساعات معدودة على حصوله، لا بل توجيه رسائل الاعلام الاسرائيلية اصابع الاتهام الى المملكة العربية السعودية.وإن كان هنالك من استنتاج سريع فهو انّ الساحة الامنية اللبنانية اصبحت مفتوحة امام اللعبة الدولية، وهنا مبعث القلق والخطورة.

وكي لا يساء الاستنتاج فإنّ تحضير الساحة اللبنانية للاضطرابات الامنية كان قد جرى منذ فترة بعيدة. وإلا فكيف يمكن تفسير مواد التفجير التي كانت موجودة لدى الشيخ أحمد الأسير؟ ولماذا جرى تفخيخ قرآن وصناديق التبرّع؟ أولا يعني ذلك وجود خطة ما لتفجيرات حسّاسة تؤدي الى رفع درجة التعبئة المذهبية لتصل بها الى الذروة؟

وفي تلك الفترة كان "حزب الله" قد وضع خططاً لمواجهة حالات مماثلة، اي كيفية التصرّف بعد حصول تفجيرات ارهابية. وتروي المعلومات انّ حزب الله كان يتوقع استهداف تجمّعات مدنية او مراكز دينية، وجرى وضع خطة تقضي باستيعاب الضربة وامتصاص حال الهيجان لدى الناس كنتيجة للانفجار، وهو طلب من اللجان المشرفة على المناطق التحضير جيداً والتفرّغ لتنفيس حال الاحتقان لدى حصول اي اعتداء امني ومنع الجموع من القيام بردات فعل انفعالية وغرائزية.

لكن حزب الله لم يكتف بوضع خطط استيعاب التفجيرات الامنية، بل انه حدد اهدافاً تشكّل خطة تحرّك مضادة من اجل توجيه ضربة نوعية موجعة تمنع الجهة التي قامت بالتفجير من تنفيذ ضربة ثانية لها طبعاً بعد التأكد بشكل كامل من هوية الجهة المعتدية.

كلّ ذلك يجري تحت سقف الصراع الاقليمي العنيف والذي يبلغ ذروته في سوريا، فيما تبدو الأشهر المقبلة هي الاشهر الاصعب في حرب دخل فيها الجميع وأصبح سقفها مرتفعاً لا بل شاهقاً.

فبعد اقلّ من سنة هنالك استحقاق الرئاسة السورية وحيث ترى واشنطن والفريق المتحالف معها هذا التوقيت بمثابة المدخل الممتاز لإنجاز تسوية سياسية، فيما ترى طهران وخصوصاً موسكو انّ ميزان القوى على الارض اختلف بشكل جذري وانّ المزيد من الضغط العسكري على الارض قادر على منحهم انتصاراً كاملاً في الرقعة الجغرافية الاستراتيجية في الشرق الاوسط، فلماذا الدخول في تسوية سياسية؟

وحسب هؤلاء، فإنّ كامل حمص على قاب قوسين من السقوط، وانّ معركة حلب يجري التحضير لها بعناية. وذلك يعني انّ امام سوريا اشهراً ساخنة لا بل ملتهبة ما يدفع للاستنتاج انّ لبنان الواقف على حافة البركان لا بدّ ان تهتز ساحته بشكل اعنف خلال المرحلة المقبلة.

السابق
تفشل في إخفاء ايباد بملابسها
التالي
انفجار الضاحية بحجم “الحرب”