انفجار الضاحية بحجم “الحرب”

لم يبق أحد خارج دائرة الإستنكار والشجب للإنفجار الذي وقع في ضاحية بيروت الجنوبية. أجمعت القيادات السياسية المتحالفة والمتخاصمة بشدة على الإدانة حتى وصلت الى مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، وعدد من العواصم العربية والدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية عبر سفيرتها في لبنان، مورا كونيلي.

حتى إسرائيل كان لها نصيب من قراءة ما جرى على لسان أكثر من محلل ومسؤول في الدولة العبرية, لكن اللافت أن تحليلات بعض الصحف في لبنان وإسرائيل صوبت على نفس الجهة. المملكة العربية السعودية.. الأمير بندر بن سلطان.. تحريك الساحة اللبنانية على خلفيات مذهبية بين السنة والشيعة. الضاحية في مقابل القصير. هذه عينة من بعض ما تناولته وسائل الإعلام لاسيما المكتوب منها. غير أن الجهات المسؤولة التي من الممكن جداً أن يكون ما سلف جزء منها متعددة،إلا أن الإنفجار بحد ذاته يشكل علامة فارقة في مسار الحوادث المتنقلة في أكثر من منطقة لبنانية.

ما يعنيه انفجار الضاحية هو أن المواجهة مع حزب الله باتت مباشرة أو على الأقل الإعلان عن ذلك وتوجيه رسالة بهذا المضمون الى الحزب وجماهيره وانصاره ومناطقه، بعدما كانت تلك المواجهة تسلك طرقاً "ملتوية" عبر استهدافات للحزب من خلال حلفائه إن في طرابلس وجبل محسن، أو في بيروت ومناطق الإحتكاك المذهبي، أو في المناطق البقاعية المحتلفة، وصولاً الى صيدا التي شهدت معاركها "الأسيرية" والتي لم ينج حزب الله من التدخل فيها أو اتهامه بذلك على أقل تقدير.

كانت المعلومات التي توفرت قد افادت أن الضاحية ستكون هدفاً لعمل إجرامي من هذا النوع وتم تحذير المعنيين عبر أكثر من جهة، فكانت الإجراءات الأمنية الإحترازية المتخذة كفيلة بمنع وقوع كارثة أكبر، فقد سيقت السيارة من قبل المنفذين الى ذلك المكان بعدما عجزوا عن اختيار موقع أفضل منه يمكن أن يؤدي الى استهداف الحزب "بعينه" وليس جمهوره أو مناطق تواجده فقط، أو حتى بعض مؤسساته المدنية. وهذا بالحقيقة كان الهدف من السيارة المفخخة لكن الإجراءات الأمنية منعت تحقيقه. أختار هؤلاء باحة للسيارات قربية من مؤسسة تجارية تموينية في حي مكتظ لإلحاق الاذية على أوسع نطاق وبشكل يمس الناس الذين هم هدف أساسي في اي نشاط من هذا النوع لـتأليب الرأي العام على حزب الله في وسطه.

بدأ تنفيذ تلك الخطوات باتجاه حزب الله بالتحديد بعد اجتماع "أصدقاء سورية" في قطر آخر حزيران 2013، حيث وضعت لائحة مؤلفة من 22 بنداً تقنياً كمقررات سرية أمنية وعسكرية بإشراف ضباط استخبارات من الولايات المتحدة، وبريطانيا، و"إسرائيل"، وتركيا، وقطر، والسعودية، والأردن، التي تُتخذ مقراً لقيادة العمليات ومن ضمن هذه اللائحة ما يتعلق بلبنان وحزب الله في البنود التي وضعت تحت عنوان "الجبهة الغربية"، وفيها أنه يجب "الحفاظ على قوة مستترة من المقاتلين السوريين في لبنان لا يقل عددها عن الـ 3000 مقاتل"، وهم من مجموع من تدربوا على يد القوات الأميركية في الأردن خلال الشهور الماضية.

ومن تلك البنود أيضاً أنه يجب "الإستمرار في استدراج حزب الله لمعارك جانبية بهدف استنزاف سمعته في البلد"، وأنه "يبقى تحريك العملية النهائية مع حزب الله منوط بقرار القيادة العامة وعلى الجميع الإنضباط المطلق بهذه التعليمات". هذا ما ورد حرفياً في بنود ثلاثة من مجموع البنود التي ذكر أحدها "أن إدارة المعلومات والرقابة والإتصالات ومهمات بنك الأهداف تبقى في هرتزيليا، إسرائيل".

لم يكن ما ذكرته الصحف في لبنان وإسرائيل حول اتهام السعودية وتحديداً الأمير بندر بن سلطان بعيداً عن روح تلك البنود التي تمت مشاركتها من قبل ضباطه المعنيين بمتابعة ملف الحرب في سورية وضد حزب الله. لتأتي الإدانات بهذا المستوى حيث برز أن الجميع بحاجة ليعلن براءته من "دم هذا الصديق" لأنه يعرف أنه لن يسكت على فتح المواجهة المباشرة لكنه لا يعرف متى واين سيرد وباية طريقة.

الى إجراءات أمنية رادعة وتحديد مسؤوليات محلية وإقليمة ودولية بنفس مستوى ردود الأفعال.. هذا ما يجري في محيط انفجار بئر العبد في ضاحية بيروت الجنوبية.

السابق
رسالة بئر العبد ستحمل جواباً نوعياً
التالي
عشرات الجرحى بانفجار سيارة مفخخة في بغداد