التفجير في الضاحية وتغيير قواعد اللعبة

يُؤذن تفجير السيارة المفخخة في بئر العبد أمس الأول، بتغيّر قواعد اللعبة التي كان "حزب الله" ممسكا بخيوطها. فمعظم الدلائل تؤشر الى ان عملية التفجير هي، على الارجح، من نتائج تورطه العسكري المتفاقم في دعم نظام بشار الاسد بما سمح اولاً باسترداد القصير ليشارك لاحقا في الهجمة الحالية التي تتعرض لها خصوصا حمص ومناطقها اضافة الى حلب.
فثمة تهديدات اصولية مباشرة مصدرها سوريا حذرته، خصوصا بعد سقوط القصير، من استهداف عمق مناطق بيئته الحاضنة. وتدرجت رسائلها من تصريحات واضحة الى عبوات ناسفة استهدفت مواكب تقل عناصره في البقاع الى صواريخ تستهدف مناطق انتشاره قرب الحدود في حزيران. وسبق كل ذلك صاروخان استهدفا في ايار الماضي طرف معقله في ضاحية بيروت الجنوبية، وصولا الى تفجير بئر العبد في منطقة لها رمزيتها العالية باعتبارها مدخل مقارّه الامنية الرئيسة.
وبغضّ النظر عن هوية منفّذي التفجير، فهو يشكل بالتأكيد خرقا امنيا لكل الاجراءات التي جرى تشديدها في الاسابيع الاخيرة. ويروي بعض سكان الضاحية أن أشدّ الاجراءات كانت تبدو ظاهرة للعيان كل نهار جمعة خشية استهداف حشود المصلين، كما وانها تركزت بشكل خاص على مراقبة وتعقب النازحين السوريين الى هذه المنطقة والتي تم على اثرها ابعاد الكثيرين من "المشكوك بأمرهم". ويتساءل هؤلاء الاهالي عن فعالية هذه الاجراءات، التي طالما عرف "حزب الله" باتقانها، في ضوء انتقال آلاف من عناصره الامنية والعسكرية للقتال في سوريا.
هذا النوع من ردود الفعل على انخراط الحزب في سوريا كان متوقعا حتى بالنسبة الى أمينه العام حسن نصر الله الذي سبق له ان اعلن "ان الحسابات تأخذ في الاعتبار ردود الفعل على الدور العسكري المباشر".
لكن عملية التفجير هذه اسقطت كل تبريرات نصر الله للتورط في دعم الاسد عسكريا. فمن قوله انه يشارك في القصير حتى لا تأتي الحرب الى لبنان ودعوته المواطنين المختلفين على ما تشهده سوريا الى التحارب على اراضيها تنفيذا لسياسة النأي بالنفس، الى قوله يوما إنها استباقية لاعتداءات الاصوليين.
وسبق الانتقال من التهديدات الشفهية الى الواقع الفعلي تحذيرات متتالية من مسؤولين محليين ومسؤولي دول عربية وأجنبية من انتقال الازمة السورية الى دول الجوار وأولها لبنان. لكن هذا التفجير ورغم الاجماع في الادانة المحلية والخارجية والاعراب عن المخاوف نفسها من الفتنة، لا يدفع الى توقع الوصول الى مخارج. حتى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري رأى في ما حصل "اكثر من رسالة" وربما "بداية مسلسل تفجيرات" .
ومن متغيرات قواعد اللعبة اعلان الرئيس بري فرط عقد تحالفات "قوى 8 آذار" بشأن الملفات الداخلية من التمديد للمجلس النيابي الى التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الى المجلس الدستوري، وان انقذ ماء الوجه بالاشارة الى ان اطرافها، وخصوصا النائب ميشال عون، مازالوا متوافقين على الامور الاستراتيجية مثل الصراع مع اسرائيل وحماية المقاومة.
وأتى التفجير صادما لبيئة "حزب الله الحاضنة" خصوصا ان الحزب كان ممسكا بخيوط سلسلة الازمات المفتوحة من تفشيل قيام حكومة جديدة الى تعثر الجلسات النيابية الى الفراغات المتوقعة في مناصب امنية حساسة ابرزها في قيادة الجيش بعد نحو شهرين.
ومع تغيّر قواعد اللعبة بالانتقال من التهديد الشفهي الى الرمزي الى الفعلي وتجاوز المناطق المستهدفة من الحدودية شرقا وشمالاً الى العمق الرئيسي، يبقى السؤال هل يؤدي ذلك الى انسحاب "حزب الله" من سوريا او الى انخراطه بشكل اكبر؟ وهل يتجلى الاجماع على ان هدف التفجير قيام الفتنة بالتصدي الفعلي لها عبر تسهيل تشكيل الحكومة رغم انعدام اية مؤشرات عن ذلك خصوصا ان التعطيل يسمح لـ"حزب الله" بالبقاء ممسكا بأوراقه المعتادة وخيوط اللعبة؟ كما وان الاتهامات للفريق المقابل بان مطالبته بنزع السلاح غير الشرعي هي سبب الفلتان الامني لا تبشر بالخير.
لقد أجمعت المناشدات المحلية على ضرورة العودة الى تحييد لبنان كما دعا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري و"قوى 14 آذار"، او الى تطبيق "اعلان بعبدا" وفق الدعوات الدولية والعربية. وجميعها تصب في مجرى واحد يعني فعليّا مراجعة "حزب الله" لمواقفه وسحب مقاتليه من سوريا. وما انخراط "حزب الله" العسكري في سوريا الاّ نتيجة تمتعه بفائض قوة ناجم عن سلاحه بما يعيد الكرة في كل مرة الى ام المشاكل: السلاح غير الشرعي، الذي ادى استخدامه في الداخل والتهديد به الى تواجد الاسلحة في ايدي مناصرين له شكلوا، أو شكّل بهم، مجموعات خارج بيئته الحاضنة من مثل "سرايا المقاومة"، او في ايدي مناوئيه ممن رأوا أن العنف لا يواجه الاّ بالعنف.

السابق
الفرزلي: الأزمة السورية نار مشتعلة تُطبخ عليها كل أزمات المنطقة
التالي
توتر في سيناء.. والببلاوي يتوقع مشاركة الاخوان في الحكومة