أبعد من لبنان ومجلس الأمن

مجلس الأمن المنقسم حول حرب سوريا والعاجز، بالقصد والخيار، عن وقفها، موحد في الدعوة الى معجزة تضع لبنان خارج الحرب ومضاعفاتها. لكن لبنان يدفع، بالاضطرار والخيار، ثمن اللعبة الكبيرة في الشرق الأوسط، من حيث يتصور أكثر من طرف أنه لاعب فيها. المجلس يدين في بيان بإجماع الأعضاء ال ١٥ ما أجمع اللبنانيون على ادانته، وهو التفجير الارهابي في بئر العبد. ويدعونا الى الحفاظ على الوحدة الوطنية التي يعرف أنها ليست قائمة لنحافظ عليها وان قوى في الداخل والخارج تفضل الانقسام على العمل للوصول الى الوحدة الوطنية. وهو يطالبنا بما يجب أن نطلبه لأنفسنا وما توافقنا عليه نظرياً وخرقناه عملياً: احترام سياسة النأي بالنفس عن النزاع السوري، والامتناع عن أية مشاركة في الأزمة السورية طبقاً لاتفاق بعبدا.

لكن استجابة المطلب ليست بين التوقعات. لا في مجلس الأمن الذي كان عليه أن يعلن شيئاً للقول إنه قام بواجبه. ولا في لبنان والمنطقة. فما سمي في البيان النزاع السوري هو صراع جيوسياسي لاعادة تشكيل خارطة المنطقة تشارك فيه دول في المجلس وأخرى خارجه بين داعم للنظام وداعم للمعارضة لتحقيق أهداف تتجاوز سوريا نفسها وبالطبع لبنان. والقوى والمنظمات المشاركة في الحرب ميدانياً، تتصرف على أساس أن الدور الذي تقوم به تفرضه الحسابات الاستراتيجية في اللعبة الكبيرة. وليس لديها ولا لدى أصحاب القرار في عواصم المنطقة والعالم أي استعداد لتلبية ما يطلبه مجلس الأمن، لا في بياناته التي لها مجرد قوة معنوية، ولا حتى في قراراته التي لها قوة سياسية.

واذا كان مجلس الأمن يطلب ثم يصمت ويلتفت الى أمور أخرى، فان السياسيين في لبنان يطلبون ويستمرون في الكلام من دون طائل. فالكل يطالب الآن بالإسراع في تأليف الحكومة. لكن كل طرف يبدو كأنه يطلب تسهيل التأليف من سواه. لا أحد يتخلى عن شروطه في العمق، وإن حمل خطابه شيئاً من المرونة في العموميات. ولا شيء يوحي أن التسهيل الذي هو نظرياً في أيدي الأطراف الداخلية هو عملياً في أيديها وحدها. فما هو داخلي في لبنان خارجي بامتياز. والفراع الذي يشكو منه الجميع ويتحدث كثيرون عن ضرورة الخروج منه ليس مجرد تعبير عن أزمة سياسية بمقدار ما هو جزء من اللعبة الكبيرة في المنطقة والتي تُدار بالحسابات الاستراتيجية وتدور بالصراعات المذهبية.

حتى سياسة الترقيع التقليدية في ادارة الأزمة، فإنها صارت صعبة جداً بعدما انطبق علينا قول شاعر عربي قديم: اتسع الرقع على الراقع. والأصعب بكثير هو الذهاب الى تطبيق الدعوات الى إعادة التأسيس.

السابق
الجواب عند “خريطة الطريق”
التالي
سلام مرتاح للاصطفافات الجديدة