قلعة دوبيه – شقراء بين التاريخ والجغرافيا

نشرت مجلة "شؤون جنوبية" في العدد الماضي تحقيقاً عن "قلعة دوبيه – شقرا" وعملية ترميمها واستكمالاً لهذا التحقيق وردنا من السيد عون الأمين التوضيحات التالية عن القلعة:
كان لقلعة دوبيه أهمية استراتيجية نظراً لموقعها الجغرافي القريب، من حدود فلسطين وسوريا ولبنان، والواقعة على هضبة تكمن بين جبال تحجبها من جهاتها الأربع، وتشرف على أودية سحيقة تعتبر شبكة مرور من وإلى هذه المناطق الثلاث. وهذه الأودية هي وادي السلوقي ووادي الأسطبل ووادي السكيكي، فقد اعتمدها الصليبيون منطلقاً لهجومهم على مدن الساحل السوري والمناطق المجاورة لها، فشكلت مع غيرها من القلاع العاملية سلسلة دفاعية هامة عن الإمارات الصليبية في فلسطين وسوريا وجبل عامل، وخاصة عن ممتلكاتهم الرئيسية في بيت المقدس وسائر المناطق. كما أن الأيوبيين في عهد صلاح الدين وأخيه العادل وانتهاءً بالعهد المملوكي أيام الظاهر بيبرس وقلاوون والأشرف خليل، جعلوا من قلعة دوبيه وغيرها من قلاع وحصون جبل عامل سلسلة من الدفاعات عن وجودهم في هذه الديار الإسلامية.

موقعها
موقعها: تقع دوبي بين بلدات شقراء وحولا وميس الجبل على مرتفع تحيط بها الجبال والوديان من جهاتها الثلاث عدا الجهة الجنوبية التي تصلها ببلدة ميس. اسمها: لقد حرف اسمها لكثرة الاستعمال عن اسم القائد الصليبي الذي جدد بناءها وهو دو بو Debou وذلك سنة 1109 ميلادية ويقول المؤرخ سليمان ظاهر: ومن قلاع جبل عامل ما هو من منشآت الرومان بعد الميلاد كقلعة الشقيف ومنها ما هو من أبنية الصليبيين كقلاع هونين وتبنين ودوبيه.
وبناؤها صليبي قائم على أنقاض بناء روماني والدليل على ذلك ما يوجد من حولها، من مدافن شبيهة بالمدافن الرومانية المحفورة في الصخر ومن الغريب أن ابن جبير لم يذكرها والذي مرَّ أثناء رحلته في وادي (الاسطبل) القريب منها متوجهاً من هونين إلى تبنين حيث قال: (واجتزنا في طريقنا بين هونين وتبنين بوادٍ ملتف بالشجر وأكثر شجره الرند (الغار) بعيد العمق كأنه الخندق السحيق المهوى تلتف حافتاه ويتعلق بالسماء أعلاه يعرف بالاسطبل لو ولجته العساكر لغابت فيه. لا منجى ولا مجال لسالكه عن يد الطالب فيه إلى أن يقول: المهبط إليه والمطلع عنه عقبتاه كؤودان معجبانا من أمر ذلك المكان). فلا شك من أن ابن جبير لم ير قلعة دوبي لأن هذا الحصن يقع في أقصى الشمال وهو يمر في عمق وادي الاسطبل لكثافة الأشجار فيه ولكثرة الجبال المحيطة به.
مما يتألف ميدانياً: يتألف من بناء ضخم طوله من الشمال إلى الجنوب مئة وخمسة عشر متراً، وعرضه خمسة وسبعون متراً تقريباً، مؤلف من ثلاث طبقات يحيط به خندق بعمق ثلاثة أمتار من جهاته الثلاث ما عدا الجهة الجنوبية – الطبقة الثالثة متهدمة والثانية نصفها متهدم في الطبقتين الأولى والثانية ما يقارب من خمسة وعشرين غرفة وحجرة عبارة عن أقبية مبنية من الحجر الصلد في داخل القلعة وفي خارجها عدة آبار وصهاريج وفي خارجها صهريج منقور في الصخر الأصم.
لقد ذكر القلعة العلاَّمة السيد محسن الأمين في كتابه خطط جبل عامل قائلاً: لها ربض من غربها يسمى الزنار وأن بناء هذا الحصن وفي هذا المكان كان يساعد الصليبيين، في كشف كل التحركات المعادية لهم في المناطق الداخلية. وهذا الحصن مضافاً إليه الحصنان الآخران هونين وتبنين كانا يشكلان سداً منيعاً يحميهم من هجوم الأيوبيين وفيما بعد المماليك. جدد بناء هذه القلعة أخيراً الشيخ ناصيف النصار الوائلي سنة 1750م. وأسكن فيها قسماً من الأسرة الوائلية ومن المقاتلين والعاملين بالزراعة لتكون حصناً يحمي إمارته. ولكن بعد مقتل الشيخ ناصيف وسقوط جبل عامل في يد الجزار سنة 1780م. هدم قسمٌ منها في الهجوم وبقيت مهجورة إلى أن استعادت الأسرة الوائلية بشخص الشيخ فارس بن ناصيف النصار الحكم وذلك سنة 1805 م. بعد وفاة الجزار مباشرة وعودة العامليين إلى جبلهم بعد استعادة حكمهم الذاتي بفضل مقاومتهم الطياح ضد جنود الجيش الأنكشاري العثماني الذي عاث في البلاد فساداً.

التجديد الثاني
تجديد بنائها الثاني: جدد بناء هذه القلعة آل علي الصغير الوائليين مشايخ جبل عامل الذين كانوا يسكنون تبنين وهونين في عهد الشيخ ناصيف النصّار وسكنوها. وبعد الشيخ ناصيف جدد بناءها أيضاً الشيخ ظاهر بن نصار الناصر.
وهناك رواية يتناقلها كبار السن ويرويها أحفاد الشيخ عبد المحسن الظاهر منهم الأستاذ نصر الظاهر، بأن جدهم الأعلى الشيخ ظاهر النصار الوائلي بعد أن أكمل تجديد بنائها وأصبحت تحفة للناظرين بناء مرصوصاً وهندسة فنية رائعة، أراد أن يفتحها باحتفال جمع فيه أعيان البلاد العاملية وأعيان القبائل العربية من سهل الحوله والجولان وفلسطين وبعد حفل الافتتاح قام مع المدعوين ليريهم ويشرح لهم تفاصيل القلعة المؤلفة من أقبية وسراديب وأدراج إلى أن وصلوا إلى سطحها وبينما هو منهمك بالشرح مؤخوذاً بتحقيق إنجازه العظيم زلت قدمه وسقط من أعلى القلعة ومات وكان ذلك سنة 1163 هجرية. ومن مآثر هذه القلعة التاريخية بأن اختبأ فيها الأمير يونس المعني مع ولديه ملحم وحمدان فاراً من وجه الكجك أحمد باشا والي صيدا عندما زحف بعساكره لمحاربة أخيه الأمير فخر الدين.
والوصول إلى هذه القلعة الأثرية يتم عن طريق شقراء أو حولا أو ميس الجبل وذلك بعد أن شق مجلس الجنوب شبكة من الطرق المعبدة، وذلك بعد إنجاز التحرير المبارك في 25 أيار. وهذه الطرق تصل بين البلدات الثلاث المذكورة وقلعة دوبي الأثرية ولا يسع الحركة الثقافية من خلال لجنة الاهتمام بالأثار والتراث إلا أن تناشد رئيسة جمعية المحافظة على أثار الجنوب اللبناني (جل) ومديرية الآثار في وزارة الثقافة وكل من يعنيه الأمر، أن يبادروا لترميم هذا المعلم التاريخي الأثري والسياحي بعد أن رزح تحت الاحتلال الإسرائيلي طوال ربع قرن.

مقابلة صحفية لمجلة الراية مع أحد المعمرين من بلدة شقراء جرت من قبل رئيس تحريرها المحامي فضل الأمين بتاريخ 6/8/1990
السيد عبد الكريم محمود الأمين مواليد 1905 م. وهو شاعر وأديب وفقيه سألناه عن تاريخ قلعة (دوبي) فأجاب: نقل لي بعض المعمرين في أيام شبابي بأن قلعة (دوبيه) والأراضي المحيطة بها قد أعطيت من قبل الدولة العثمانية معاشاً لمفتي بلاد بشارة السيد محمد الأمين الثاني سنة 1875 م وكانت قبلها مهجورة وغير مأهولة بالسكان وأراضيها (محلوله) أي ملك الدولة العثمانية. وقد أصبحت ملكاً للمفتي بموجب فرمان عثماني توجد نسخته الأصلية مع حفيده السيد عبد الحسن الأمين في بلدة الصوانة.
وبما أن السيد كان يسافر ويتردد دائماً إلى الشام وحلب، بحكم كونه مفتياً لبلاد بشارة وعكا من قبل الدولة العلية، أثناء ذلك كان يزور أقارب له من آل شمس الدين يقيمون في بلدة الفوعا قرب حلب، وهم من جبل عامل. رأى أن يعيد قسماً منهم إلى وطنهم فاصطحب معه ثلاثة إخوة مع عيالهم وأولادهم، وبعد وصولهم أسكنهم في قلعة دوبي كمزارعين يعملون في حراثة الأرض وزراعتها ويحافظون على القلعة ومحتوياتها. ثم يستطرد السيد عبد الكريم قائلاً: ومنذ ذلك الحين أطلق على هذه العائلة في شقرا وحولا تسمية آل الفوعاني نسبة إلى بلدة الفوعا في محافظة حلب في سوريا التي جاؤوا منها. واليوم تناشد الحركة الثقافية في لبنان رئيس بلدية شقرا ودوبيه والمجلس البلدي للعمل على شق طريق توصل إلى مدخل القلعة والمحافظة على البناء وتنظيفه لكي يستطيع السائح والدارس للتاريخ الوصول إلى هذا المَعلم الأثري المهم.

مراجع:
1 – كتاب تاريخ قلعة الشقيف لمؤلفه سليمان ظاهر ص5 – 6 صدر عن المطبعة العصرية – صيدا.
2 – كتاب رحلة ابن جبير صفحة 274.
3 – السيد محسن الأمين مؤلف كتاب (خطط جبل عامل) ص232.
4 – الطياح معناها الخارجين على الدولة والثائرين ضد جورها وظلمها.
5 – الشيخ ظاهر النصار الوائلي هو جد الشاعر والمؤرخ الشيخ عبد المحسن الظاهر من بلدة الحلوسية الجنوبية قضاء صور.
6 – رواية سمعتها من الشيخ كايد البندر الوائلي الذي كان يسكن قلعة مارون وذلك سنة 1955 ميلادية وأكدها الأستاذ نصر الظاهر.
7 – كتاب خطط جبل عامل للسيد محسن الأمين، ص232.
  

السابق
المخرج الفلسطيني من “التسونامي” المصري
التالي
مجلس الامن ادان تفجير الضاحية ووصفه بالهجوم لارهابي