حكم العسكر… ولا حكم “الإخوان” في

سخرت قوى الإخوان المسلمين, ليس في مصر وحدها بل في أنحاء العالم عامة, كل جهودها السياسية والاعلامية, وجميع علاقاتها الدولية, لتقنع الرأي العام بأن ما حدث في 3 يوليو الجاري, كان انقلابا عسكريا ولم يكن ثورة شعبية جديدة أو ثورة تصحيحية أعادت قطار ثورة 25 يناير 2011 إلى سكته الصحيحة. ويتساءل المرء: لماذا قبل قادة الإخوان المسلمين تسمية الهبة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بالثورة, على الرغم من أنه ما كان لها أن تنجح لو لا وقوف الجيش المصري إلى جانب حركة شبابها المطالبة بالتغيير, بينما يرفض هؤلاء تسمية نفس الهبة – بل الهبة الأقوى من جهة الزخم الجماهيري- التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي.
ويعتقد قادة الإخوان المسلمين أن الضغط الشعبي على رئيس منتخب في انتخابات حرة ونزيهة غير جائز, وقد اعتبروا عزل الرئيس مرسي من منصبه انقلابا على الشرعية, و هو أمر غير صحيح بكل معاني الديمقراطية التي تجعل من الشعب سيدا و مصدرا أولا للسلطة, فالانتخابات ليست هي الآلية الوحيدة التي يمتلكها الشعب للتعبير عن إرادته, وفي أنظمة ديمقراطية واضحة تمكنت الجماهير الغاضبة من إسقاط رؤساء منتخبين وحكومات منتخبة, فقد كان ذلك واقعا في فرنسا واليونان والاكوادور وايطاليا والارجنتين وغيرها.
ويعمل رئيس الجمهورية, أو رئيس الحكومة المنتخب, ديمقراطيا على المسارعة إلى الإعلان عن تنظيم انتخابات رئاسية, أو برلمانية, مبكرة عندما يشعر, سواء من خلال عمليات سبر الآراء, أو متابعة مظاهرات وتحركات شعبية مطالبة بالتغيير, وذلك لإدراكه أن آلة الحكم الديمقراطي الرشيد لا يمكنها أن تنتج في ظل وجود شريحة كبرى من الرأي العام غاضبة, أو غير راضية, على أداء الحكومة, ولا تهم المدة التي قضيت في السلطة منذ آخر انتخابات, فهناك رؤساء وحكومات لم يعمروا طويلا جراء الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها, وهو ما لم يرغب مرسي به حتى عزل عن كرسيه عزلا بإرادة الشعب والقوة العسكرية المتعاطفة والمتضامنة معه.
وقد أراد قادة الإخوان المسلمين التعسف في فهم الشرعية, إذ دمجوا بين الشرعية الانتخابية والشرعية الشعبية وجعلوهما شيئا واحدا, وهو أمر يحمل كثيرا من اللبس والبطلان, فعندما يرى شعب من الشعوب قلة كفاءة وخبث طوية وانحرافا بائنا عن البرنامج المعلن في الحاكم المنتخب أو الحكومة المنتخبة, فمن حقه أن يعمل على حسم الموقف قبل إدراك المدة المرسومة, لأن السكوت عن الزيغ هدر لوقت الأمة ومالها ومستقبلها, ولا شك أن الرئيس مرسي لم ينجح طيلة السنة الماضية في أمر قدر نجاحه في تقديم الأدلة لشعبه متتالية على قصر نظره ومحدودية كفاءته وسوء نية جماعته وتملصه من كل وعوده والتزاماته التي قطعها على نفسه إبان حملته الانتخابية.
لقد حمل حكم الرئيس مرسي و"إخوانه" إلى المصريين, وكذا حال حكم الغنوشي ورفاقه »النهضويين« إلى التونسيين, جميع خيبات الأمل وأنواع الشقاء كافة وكل مظاهر الرعب, والقلق, وانعدام الثقة, التي تستدعي من الجماهير التحرك اليوم قبل الغد, لوضع حد للمهزلة ولتخفيف كلفة بقاء الجماعة في السلطة, فقد كان كل يوم يقضيه مرسي في قصر الاتحادية خسارة للأمة, وكل ساعة مضيعة لوقت البلد, وكل دقيقة سير في الاتجاه المعاكس للتاريخ والمصلحة والحاجة.
لقد تأكد المصريون, خصوصا منهم الكتلة الصامتة أو ما سموه "حزب الكنبه", أن الرجل المحكوم بمرشده, سيأتي إليهم إن استمر في الحكم, فضلا عن الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية وغلاء الأسعار, وفقدان المواد الأساسية, والفوضى الأمنية, بالفتن الطائفية و الحروب الأهلية ونقص المناعة القومية, وقلة القيمة الدولية, وهوان مصر أمام البشرية, وما كان للمؤسسة العسكرية ذات المكانة التاريخية في الدولة الوطنية المصرية, أن تبقى متفرجة بحجة احترام الشرعية الانتخابية, على رجل ومن ورائه جماعة, يقود البلاد إلى كارثة محدقة وأزمة مستفحلة ومصيبة متأكدة تصعب معالجتها بكل السبل لاحقا.
وقد أظهر قادة المؤسسة العسكرية وعيا كبيرا إذ لم يرغبوا في ممارسة السلطة رغم أنهم من افتكها, فهم يعرفون حساسية مجتمعهم ونخبهم حيال الحكم العسكري, ولو أن كثيرا من العارفين بشؤون المحروسة لا يترددون في الانحياز للحكم العسكري لو كان البديل استمرار الحكم "الإخواني", فحكم العسكر لا يحمل تهديدا لطبيعة الدولة "المدنية" و"اللاطائفية" و"الوطنية", بينما يحمل برنامج الإخوان المسلمين مشروع دولة دينية وطائفية ولاوطنية, بدأت مظاهرها واضحة في تقسيم المصريين دينيا إلى مسلمين وأقباط, وايديولوجيا إلى "إسلاميين" و"علمانيين", وطائفيا إلى سنة وشيعة وأباضية.
ويشكل انحياز مؤسسة الأزهر والكنيسة القبطية إلى شباب ثورة 30 يونيو, دليلا بائنا على استشعار رجال الدين, المسلمين والمسيحيين, للخطر الذي يتهدد الوحدة الوطنية جراء أجندة »الإخوان« الخفية, والحق أن حكم الإسلاميين في مصر وتونس لم يلحق ضررا بشيء قدر إلحاقه الضرر بالدين الإسلامي, فهؤلاء الذين سماهم الكاتب الصحافي المتميز مالك التريكي "المتأسلمين" لم يفعلوا شيئا بتجارب نجاحهم الانتخابي في أكثر من دولة عربية كما قال, قدر تمهيدهم للانقلاب العسكري كنتيجة حتمية لفشلهم الذريع في إدارة شؤون الحكم وتحويلهم غالبية أبناء شعبهم إلى أعداء كارهين, إلى حد تصل معه المرارة في الحلق حد القول "حكم العسكر… ولا حكم "الإخوان" في".  

السابق
الانقسام ليس في صالح الثورات العربية
التالي
الواتس آب.. وأثر التواصل الافتراضي على المجتمع