الواتس آب.. وأثر التواصل الافتراضي على المجتمع

«الواتس آب».. إحدى صيحات التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي وذات فلسفة خاصة في التواصل من خلال التراسل الفوري عبر الهواتف الذكية بالنص والصوت والصورة والفيديو مع المدرجين في دليل أرقام الهاتف الخلوي، وانتشر وتضاعف تداولها بشكل ملفت منذ نشأتها في 2009م، حيث تفوق أعداد المشتركين (قرابة 250 مليون مشترك) لهذا التطبيق على «تويتر»، وتفوق أيضا على الـ«فيسبوك» في عدد الرسائل المتبادلة (حوالي 20 مليار رسالة شهريا).
وساهم «الواتس آب» بشكل ملفت في تقريب البعيد وجمع الأهل والأصدقاء والمعارف في وقت متزامن وغير متزامن في مختلف أنحاء العالم على هذا النمط الافتراضي، ويرون فيه العديد من الإيجابيات ساهمت في تفعيل روابط التواصل بشكل متنوع وبتكلفة رمزية، ولكن هناك أسئلة تطرح نفسها بقوة عن أثر انتشار تطبيق هذه الوسيلة على الطبيعة التقليدية للتواصل الاجتماعي، وهل نجحت بالفعل في تقريب البعيد أم باعدت القريب؟!
ولذلك، يجب أن ندرك أن فلسفة هذه التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى في البيئة الافتراضية بشكل عام نشأت في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة بناء على ظروف اجتماعية مختلفة عن مجتمعاتنا الشرقية، والأمريكيون ــ على وجه الخصوص ــ روابطهم الأسرية متباعدة ومتفككة، ولا يجتمعون أسريا سوى في أيام معدودة خلال العام مثل عيد الكريسماس وعيد الشكر (Thanks Giving) ورأس السنة ويوم الاستقلال (4th of July) وإجازة الربيع، وذلك بسبب مجموعة من العوامل، منها الظروف العملية والتباعد الجغرافي وعوامل أخرى متعددة، وبالتالي أوجدت تقنية الـ«واتس آب» لهذه المجتمعات المتباعدة وسيلة تواصل لم تكن قابلة للوجود في الظروف الاعتيادية أو الطبيعية أو التقليدية للتواصل الاجتماعي، وهذه بالفعل هي الغاية التي دفعت برايان أكتون وجان ألكوم إلى تصميم هذا التطبيق في 2009م بعد خروجهما سويا من شركة «ياهو» الأمريكية.
ونظرا للفوارق الاجتماعية بين الشرق والغرب وتعارض غايات وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها مع ثقافة المجتمع الشرقي الأكثر ترابطا وتماسكا، هناك بالتأكيد آثار جانبية على المدى القريب والبعيد ما زلنا لا ندركها جيدا في ظل نقص الدراسات الاجتماعية والعلمية الصادرة محليا في هذا الشأن، والملاحظ أن الصغير والكبير في مجتمعنا بات منغمسا في التواصل اجتماعيا عبر هذه الوسائل، وأصبحنا وأمسينا نقضي قدرا لا يستهان به من حياتنا اليومية في هذا الفضاء الافتراضي، ولا يمكن أن نغفل أنها تركت أثرا بشكل أو بآخر سلبا وإيجابا على طبيعة تواصلنا اجتماعيا.
وحسب الملاحظ.. لا يبدو أن الملموس من هذه التقنية تقريب البعيد عنك فقط، ولكن أيضا من ناحية أخرى إبعاد القريب منك، فأصبحنا نلتمس أن البعض باتوا يتواصلون تقنيا على حساب التواصل التقليدي على الرغم من أن المسافة الجغرافية قريبة بينهم، وأصبحت مجموعات أو جروبات «الواتس آب» تجمع الأقرباء والأصدقاء للتحادث وتبادل النكات والقفشات والصور التذكارية بدلا من أن يجمعهم مكان واحد.
لذلك، الأسئلة تتطاير في الذهن هنا وهناك، خصوصا أن عددا من الدراسات الغربية تشير إلى جوانب سلبية لهذه التقنيات، من حيث التغييرات التي تطرأ في التفاعل السيكولوجي أثناء التواصل الافتراضي مقارنة بالتواصل المباشر.
وفي ظل تسارع نبض هذه التقنية أوجه التساؤلات العاجلة إلى مراكزنا البحثية: ما هو أثر هذه التقنيات على سلوكيات النشء في التواصل اجتماعيا؟ وما هو أثر هذا التوسع في استخدام تقنيات التواصل الاجتماعي على ثقافتنا وسلوكياتنا وموروثنا الاجتماعي والديني في التواصل؟.
وهل لهذه التقنيات فلسفة خاصة ذات أبعاد أيديولوجية مقننة لدفع المجتمعات الشرقية نحو عولمة مطورة تقنيا بفاعلية مضاعفة، أم أننا في ظل هذه المعطيات نندفع من دون توجه نحو مستقبل مجهول المعالم؟!.  

السابق
حكم العسكر… ولا حكم “الإخوان” في
التالي
تحتفل بسقوط الإخوان في مصر