المخرج الفلسطيني من “التسونامي” المصري

 

 

طبيعة الحالة الفلسطينية، وخصائص منظومتها السياسية، تجعلها حالة مفتوحة على الخارج، السياسي، والأمني، والجغرافي، ويصعب الفصل بين المؤثرات الداخلية والمؤثرات الخارجية عليها، بل يمكن القول إن وزن العامل الخارجي ثقيل إلى درجة الحسم أحياناً. 
الحدث المصري الأخير، شكل تسونامي، اجتاح رأس السلطة المصرية، ووصل على غزة بأسرع مما وصل إلى أي مكان آخر. 
خلال الأسبوع الماضي، تمّ تدمير معظم الأنفاق، بين غزة وسيناء، وأغلق معبر رفح، ولم يبق إلا معبر "أبي سالم" لتمرير شحنات غذائية ووقود، وفق ما تسمح به سلطات الاحتلال الإسرائيلي. أي إننا وبلحظة واحدة، عُدنا إلى المربع الأول لحصار قطاع غزة لنكتشف أن الحلول الأخرى لا تشكل في الواقع بديلاً حقيقياً، أو تجاوزاً لقبضة الاحتلال، وأن ما تم بناؤه على الرمال المتحركة، جرفه التسونامي المصري. 
المطلب الأبرز الآن، لحكومة السيد إسماعيل هنية في غزة، هو "إخراج معبر رفح من التجاذبات السياسية" وفق تعبير الناطق باسم الحكومة الحمساوية المقالة. بينما كان ينبغي إخراج فلسطين من تلك التجاذبات!؟ 
ماذا بعد؟ 
إذا أضفنا التحول الكبير في مصر، بعد الثورة الثانية، إلى المتغير السوري منذ سنتين، وراقبنا أيضاً ما يجري في قطر، وإيران من حراك سياسي. يمكن القول، أن شبكة الأمان التي وفرتها العلاقات الإقليمية لحركة "حماس" تفككت إلى درجة كبيرة، وباتت "الحركة" تستند إلى قواها الخاصة الفلسطينية، فضلاً عن دعم حركة الإخوان المسلمين عربياً ودولياً. 
لا شك أن قيادة حركة "حماس" تدرس البدائل الآن، في ضوء التسونامي المصري، وهنا لا يمكن للحركة، الاعتماد على الدور التركي لوحده، نظراً لخصوصيته الأطلسيّة، ولطبيعة الصراع الإقليمي والدولي الضاغطة عليه، سواء من جهة إيران أو إسرائيل أو روسيا. لذا فإن المخرج الطبيعي للأزمة الراهنة، هو مخرج مشترك لحركة "حماس" وحركة "فتح" معاً، وذلك بتشكيل حكومة وفاق وطني، برئاسة أبو مازن وفقاً لما جاء في "اتفاق القاهرة" وكذلك "إعلان الدوحة"، وتطبيقاً للجدول الزمني المتفق عليه بين وفدي حركتي "فتح" و"حماس" في أيار 2013. 
هذا هو السيناريو الوحيد، الذي يجيب الآن على لحظة تعكس إرادة فلسطينية خالصة، لمواجهة الاستحقاقات القادمة. على غير صعيد، وأهمها الاستحقاق التفاوضي، الذي يسعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإطلاقه، وهو استحقاق، يولد تداعيات كبيرة على الوضع الفلسطيني، في حال نجاحه في إطلاق المفاوضات. 
أما في حال الفشل، وهذا متوقع وله أرجحية، فستكون التأثيرات أكثر خطورة، خصوصاً تجديد الهجمة التي سيطلقها الاحتلال في مجال تهويد القدس والبناء الاستيطاني على مساحة الضفة الغربية أو في مجال تشديد الحصار على القطاع، وربما إطلاق عملية عسكرية جديدة، لها أبعادها السياسية، لاختبار ردود الفعل، الحمساوية والمصرية، في حالتها الجديدة. 
إنّ الحديث عن مخرج فلسطيني للأزمة لا يلزمه مفاوضات، أو محادثات، بقدر ما يلزمه تطبيق ما اتفق عليه، والذهاب فوراً إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وانتخاب أعضاء المجلس الوطني الجديد، في هذا الحديث لا يمكن الادعاء اليوم، أن مسار المفاوضات هو العائق، ولا يمكن مطالبة السلطة في رام الله بالتخلي عن سياستها، لأن التوافق الحمساوي مع السلطة المصرية السابقة، وعلاقتها بواشنطن وتل أبيب، يمكن استنساخه، بتوافق مماثل مع السلطة الفلسطينية في رام الله والأقربون أولى بالمعروف. 
إن ما جرى في سوريا، وما يجري في مصر الآن، يؤكد صحة الموقف الفلسطيني بالنأي بالنفس، وعدم التدخل في الصراعات الداخلية للدول العربية وخاصةً تلك المضيفة للاجئين الفلسطينيين، لأن التماثل السياسي، أو الانتماء الإيديولوجي المشترك، لا يمكن له حماية المصلحة الوطنية العليا للفلسطينيين، فضلاً عمّا تلحقه سياسة التدخل من أضرار بالغة تصيب الشعب الفلسطيني في مقتل. 
هذا ما جرى في الكويت وقبلها في الأردن ولبنان وهذا ما يجري اليوم في سوريا، وما علينا إلا السعي لإنقاذ الوضع في غزة من ارتدادات التسونامي المصري بالاسترشاد بالمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا فقط.. وفقط لا 

 

السابق
نوع طعام السحور يؤثر على الجوع والعطش
التالي
قلعة دوبيه – شقراء بين التاريخ والجغرافيا