الثورة المصرية الثانية تكشف النظام السوري

يستطيع النظام السوري متابعة قتل السوريين. ما لا يستطيع اخفاءه هو ضعفه وإفلاسه وتعلقه ببيع الاوهام ولا شيء غير الاوهام. يرفض النظام السوري الاعتراف بأنه انتهى وأن قتل مئتي ألف سوري وليس مئة ألف كما ورد في تقارير الامم المتحدة لن يقوده الى أي مكان. كلّ ما يمكن ان يقوده اليه يتمثّل في تكريس سوريا مستعمرة ايرانية القرار الاوّل والاخير فيها لطهران.
ما يعكس مدى ضعف النظام السوري وعيشه في الاوهام والاحلام رد فعله على اطاحة الشعب المصري، بدعم من المؤسسة العسكرية، الرئيس محمد مرسي بكل ما يمثله. أيّد النظام الشعب المصري في ثورته الثانية، من باب الشماتة في مرسي الذي اتخذ قبل فترة قصيرة موقفا حاسما وقطع كلّ العلاقات مع النظام السوري واغلق سفارته في القاهرة… وذلك من باب المزايدة لا أكثر.
سبق لمرسي أن اتخذ مواقف متذبذبة مما يجري في سوريا. فبعدما اعتمد في البداية موقفا سليما، اذا به يلعب ورقة التقرب من ايران داعيا الى مشاركتها في اجتماع رباعي يضمّها مع المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر من اجل البحث في الازمة السورية وايجاد مخرج.
بالطبع، رفضت السعودية المشاركة في مثل هذا الاجتماع. كان لها الحق في ذلك، نظرا الى أن ما تشهده سوريا هو بكل بساطة وصراحة حرب يشنّها النظام، بمشاركة ايرانية فعّالة على الشعب السوري. كيف يمكن لايران أن تكون طرفا في حلّ في حين أنها في أساس المشكلة، خصوصا أن مقاربتها للموضوع السوري مقاربة مذهبية وعنصرية في الوقت ذاته؟ تقوم المقاربة الايرانية أوّلا وأخيرا على دعم حكم طائفي تختصره عائلة حرمت السوريين من كلّ نوع من انواع الحرّية والكرامة.
استعاد الرئيس المصري الاخواني رشده في الوقت الضائع. استعاده في وقت لم تعد المزايدات تنفع في شيء. كشف مرسي الموقف الانتهازي للاخوان المسلمين الذين لا يمتلكون سياسة ثابتة من أي موضوع كان. فلو كان اخوان مصر صادقين فعلا في دعم الشعب السوري وثورته، لكانوا تفادوا منذ فترة لا بأس بها أي نوع من البهلوانيات.
على العكس من ذلك، كان على اخوان مصر أن يكونوا قدوة في دعم الشعب السوري بكلّ الطرق والوسائل الممكنة بدل التفكير في كيفية استخدام الموقف من سوريا للتقرب من ايران في لعبة لا هدف منها سوى ابتزاز هذه الدولة الخليجية أو تلك.
لا يشبه موقف النظام السوري من مرسي ومن الثورة المصرية الثانية، سوى موقف اخوان مصر مما يدور في سوريا. فلو كان النظام السوري صادقا بالفعل، لكان اوّل ما فعله هو التعلّم من الاحداث التي شهدتها مصر. وهذا يعني في طبيعة الحال امتلاك حدّ ادنى من الشجاعة للاعتراف بأنّ ما تشهده سوريا ثورة شعبية بكلّ معنى الكلمة وليس مواجهة مع "ارهابيين". فكلمة ارهاب لا تليق في وصف الشعب السوري الذي يقوم بثورة حقيقية هي انبل الثورات العربية. انّها ثورة لا علاقة لها سوى بالرغبة في استعادة بعض الكرامة والخروج من نير نظام فئوي قائم على اذلال الشعب واستعباده ونهب ثرواته عن طريق الاجهزة الامنية والتحالفات المذهبية، في مقدمها الحلف بين دمشق وطهران.
في كلّ الاحوال، انّ ما تشهده مصر حاليا درس لكلّ الانتهازيين الذين يسعون الى استغلال الربيع العربي، كلّ على طريقته.
كان النظام السوري يعتقد في البداية أنّه خارج دائرة الثورات الشعبية. من يتذكّر الحديث المشهور الذي ادلى به بشّار الاسد الى "وول ستريت جورنال" في بداية الربيع العربي؟
كان النظام السوري مقتنعا بأنّ الحلف غير المعلن القائم مع اسرائيل، والمبني على ابقاء جبهة الجولان مغلقة وفتح جبهة جنوب لبنان كي يكون الوطن الصغير مجرّد "ساحة"، اكثر من كاف للضحك على الشعب السوري. كان يعتقد أن الشعب السوري ساذج الى درجة يمكن أن يصدّق أن للنظام علاقة ما بشعارات مثل "المقاومة" و"الممانعة"… وأنّه يكفي أن يكون حليفا لميليشيا مذهبية اسمها "حزب الله" كي تنطلي اللعبة على الجميع، بما في ذلك المواطن السوري العادي، خصوصا الشاب السوري الذي يرفض أن يعيش كما عاش اهله منذ اكثر من اربعين عاما في ظلّ الخوف والقهر.
كانت المفاجأة الكبيرة أن النظام السوري لا يعرف شيئا عن شعبه ولا عن تطلعات الشباب فيه. الاخطر من ذلك أنه يرفض الاعتراف بالواقع. ألم يقل الاسد الابن للمبعوث العربي والدولي الاخضر الابراهيمي انه يدرك أن الشعب السوري لا يحبّ حزب البعث، لكنه مقتنع بأنه يحظى بشعبية واسعة في صفوفه؟ هل يمكن لمثل هذا الكلام أن يصدر عن رجل طبيعي يعرف شيئا عن سوريا وشعبها؟
ما شهدناه في مصر كشف الانتهازيين. كشف خصوصا النظام السوري الذي يظنّ أنه يستطيع في الوقت ذاته اعلان تأييده للشعب المصري الثائر وذبح الشعب السوري الساعي الى التخلص من الظلم.
نعم، كشفت الثورة المصرية الثانية كثيرين. لم تكشف النظام السوري والانتهازية الايرانية والروسية فحسب، بل كشفت أيضا "حماس" التي سيكون عليها، عاجلا أم آجلا، مراجعة حساباتها من منطلق سقوط الاخ الاكبر في القاهرة. لم يعد كافيا تخلّي احد الاجنحة الحمساوية عن الحلف القائم مع النظام السوري و"حزب الله" وايران كي يعثر اخوان فلسطين على طوق نجاة…
سيكون على "حماس" الاجابة قريبا عن اسئلة في غاية الخطورة تتعلّق بالدور الذي لعبته في دعم الاخوان في مصر وفي نشر الارهاب في سيناء. فما شهدته مصر بداية وليس نهاية. انها بداية فصل جديد من فصول الربيع العربي…الذي لم يتوقف ولن يتوقف عند حدودها.
  

السابق
بكركي – حزب الله… لقاء بلا التقاء
التالي
سيل ما يبلك ما يهمك