الانقسام ليس في صالح الثورات العربية

إن الأحداث المؤسفة التي جرت فجر الاثنين 8 يونيو عند مبنى للحرس الجمهوري في مصر والتي سقط فيها عدد من الضحايا المدنيين والعسكريين، زاد من تعقيد الموقف أمام المنقسمين بين من يعتقد أن ما حدث في مصر ثورة وبين من يعتقد أنه انقلاب عسكري ونحن بالتأكيد نرفض العنف من أي جهة كانت.
وازداد حجم الاتهامات والشتائم والتكفير على صفحات تويتر ومحاولات اثبات وجهات النظر من خلال أفلام الفيديو وتصريحات الدول بين مؤيد ومعارض وبين من يتهم الجيش بالهجوم وبين من يتهم جماعة الاخوان المسلمين.
وحتى في الكويت انقلبت الآراء بل اضطربت وتناقضت بين المؤيدين لشرعية مرسوم الصوت الواحد وبين المقاطعين للانتخابات رغم الغطاء الشرعي الدستوري لهذا المرسوم، حيث يعتقد المقاطعون أن الشرعية الحقيقية هي للشعب بصفته مصدر السلطات جميعاً، وأن أفق العمل البرلماني في الكويت أصبح مسدوداً ويجب الاستناد إلى العمل الجماهيري، ما جعلنا لم نعد نعرف من مع الشرعية الدستورية ومن ضدها.
وحتى من صفق لتدخل الجيش المصري لحماية ثورة 25 يناير، وقف ضد تدخل الجيش ذاته للسبب نفسه، ونستطيع أن نتفهم أن المتخوفين من التدخل قد لدغوا قبل ذلك حيث سلّم المجلس العسكري الحكم للاخوان بمباركة أميركية.
وفي مصر والعالم العربي وقفت جميع القوى التقدمية مع مطالب الشعب المصري واعتبرتها ثورة، ولكنها نبهت وحذرت من قفز الجيش وفلول مبارك على الموجة الثانية من الثورة المصرية، وبالطبع هناك بعض القوى الليبرالية في العالم العربي فرحت لإسقاط حكم الاخوان فقط لأن صراعها الرئيسي كان مع الإسلام السياسي وليس مع الأنظمة المستبدة والتابعة للرأسمالية العالمية.
لقد تجاهلت أميركا والدول الغربية في البداية مظاهرة أكثر من ثلاثين مليوناً من المصريين وسمتها انقلاباً، ونحن نفهم أن يقف بعض المستفيدين مع الحركات الانقلابية ولكن ليس أكثر من ثلاثين مليوناً من الشعب بجميع فئاتهم مثل العمال والفلاحين والطلبة والمرأة والقوى اليسارية والديموقراطية بشكل سلمي وراقٍ كما تابعنا في وسائل الإعلام المختلفة.
ولأن ثقافة الحوار العلمي والموضوعي والعقلاني في دواخلنا التي تحوي ديكتاتوريات صغيرة غير سائدة، لذا نريد أن نثبت وجهة نظرنا ونغمض أعيننا عن القراءة الصحيحة والدقيقة، فلن أستغرب إذا اتهمني أحد بأنني أقف مع الانقلاب رغم أن ما أكتبه واضح جداً.
وحتى من وقف مع ثورة الشعب السوري لأي سبب، سواء لأنها رغبة الشعب أو لأسباب طائفية وقف بشكل مناقض ضد رغبة الشعب المصري وضد رغبة الشعب البحريني في الإصلاح للأسباب الطائفية نفسها، أو بسبب الخوف على الثورة المصرية أو بسبب قراءة خاطئة.
فمثلاً ملأت سماء تويتر اتهامات للجيش المصري بقتل الأطفال دون تمحيص، واتضح بعد ذلك أن الصور التي نشرها الاخوان كانت لأطفال سوريين يلبسون ملابس شتوية، ثم تم سحب هذه الصور سريعاً بعد انكشاف التزوير أو التلفيق غير المتقن.
ولم أستغرب موقف حزب النور السلفي المتذبذب، فمرة يقف مع الثورة ويساند خارطة الطريق ومرة ينسحب لاتهامه الجيش بقتل مؤيدي مرسي، ويرفض أي مرشح لرئاسة الوزراء من القوى الوطنية والديموقراطية، فالقوى السياسية في مصر هي اما مدنية بأطيافها وأما دينية بأطيافها أي لا توجد قوى سياسية محايدة، فإذا تم اختيار شخصية سياسية فلا بد أن تكون اما من هؤلاء أو هؤلاء، وهذا لا يعني أني أوافق شخصياً على أسماء المرشحين لأسبابي وقناعاتي الشخصية ولكني أدعو للتوافق.
برأيي أن تشكيل حكومة كفاءات ووضع إعلان دستوري تشارك به جميع القوى السياسية دون إقصاء لأحد «وهذا ما فهمت أنه يحدث بالفعل»، دون استحواذ على هذا الإعلان من قبل قوى سياسية معينة كما حدث مع الإعلان السابق، والسير بأكبر قدر من السرعة بالعملية الديموقراطية السليمة والاتجاه إلى التنمية الذاتية المستقلة على غرار بعض دول أميركا اللاتينية، سيقلل من الاحتقان ويعطي للثورة مصداقيتها مع الحذر واليقظة من أقطاب الثورة المضادة أو من الجيش.
  

السابق
أهالي راشيا: التقنين أو لا تسديد فواتير وضرائب
التالي
حكم العسكر… ولا حكم “الإخوان” في