ارتدادات الفشل الاخواني

منذ أشهر احتل المسلسل التركي، "حريم السلطان"، صدراة المشهد الإقليمي عندما أوعز رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بإيقافه بعدما انتقده بحدّة محمد مرسي، الرئيس المصري الاخواني، على الصورة المشوّهة التي يعطيها المسلسل، برأيه، عن السلطان سليمان القانوني. لم تكن هذه أولى خطوات أردوغان، ولا آخرها، نحو المزيد من "الأسلمة": الحجاب، الاختلاط، تنظيم النسل… الخ، كلها كانت بدأت تتصاعد بعد الثورات العربية؛ وكأن الحكم الإسلامي التركي أخذ ينجرّ نحو الإخوانية العربية الأكثر أصوليةً منه، الأقل "علمانية" منه. وبذلك التقت ارهاصات إستعادة أمجاد الامبرطورية العثمانية وهيمنتها على العرب برافد صعود الاسلام السياسي العربي الى السلطة؛ فاجتمع بين أيدي أردوغان المجدان: العثماني والإسلامي.
وكانت تلك الوصاية التركية على من هم دونها "وسطية" و"علمانية" من الإسلاميين العرب، هي القاطرة التي استفزت بقية الأتراك العلمانيين، فكان ما كان في تقسيم؛ انتفاضة ساخنة لم تنطفىء بؤرها. الآن، بعد الفشل الإخواني المصري: بأي حال تكون الاسلامية التركية؟ هل تراجع توجهاتها، فتكون "براغماتية"؟ أم تتشدّد وتدعم وتبادر لصالح الاخوانية، وتمشي بذلك على نفس طريقتها؟ نحو الفشل؟
إيران الاسلامية، التي افتتحت عصر الدين والسياسة، فكانت ثيولوجية تحكم باسم الدين، وملالي يفتون ويهدرون: أي "نموذج" ترنو اليه تلك الأبصار التائقة نحو الخلاص من أنظمتها "العلمانية" المزعومة. ولا فرق هنا بين اسلامية شيعية ملهمة، وبين إسلامية سنية، إلا بدرجة العضوية المذهبية. وعندما انفجرت الثورات العربية، روجت الجمهورية الإسلامية بأن تلك الثورات إنما هي من وحي ثورتها هي، التي نال منها الزمن… وبأن إسلامية قادتها الجُدد من وحي إسلاميتها؛ وهذا لم يمنعها من إعطاء الامر لـ"حرسها الثوري" بالمشاركة الى جانب قوات الأسد في قتل الشعب السوري… من باب محاربة "التكفيريين".
الآن، بعد الفشل الاخواني المصري، سوف تحتاج القيادة الايديولوجية الايرانية الى ابتكار طرق المواءمة بين نموذجها "الناجح" حتى الآن، وبين طرق الانقضاض عليه على الطريقة المصرية. سوف تحتاج أيضاً، بعد حين، الى توضيح "التكفيريين" الذين تقصدهم، بعد ان تكون الإنتفاضة المصرية ضد الاخوان قد أزاحتهم عن خشبة المسرح. ففرحة ايران المزعومة، بهذه الضربة الناجحة ضد "التكفيريين" أعداءها، تتلازم مع فرحة بشار الأسد بها: هي فرحة إعلامية، لا ترى أبعد من أنف صاحبها. وهي لن تذهب أبعد من تلك العقول المهجوسة بـ"التكفيريين" في شوارع حمص المدمّرة. على المدى القريب، أو المتوسط، سوف تضعف الاسلامية السياسية بعد الفشل الاخواني المصري، ما سيتيح للتيارات المدنية أن تأخذ مكاناً يليق بما تمثل، وتفتح الثورة السورية على المفاهيم العصرية الحداثية التي كانت تبطنها وتعلنها في بداياتها: ثورة المواطن من أجل دولة القانون، لا ثورة طائفة على اخرى. وقد يكون هذا الفصل التالي من الثورة السورية هو الأكثر جذرية في خوضه للصراع مع التيار الديني؛ وذلك بسبب العملية الثورية التي ما زالت الثورة السورية في صددها.
"حماس" طبعاً، حاكمة قطاع غزة، والتي بدّلت حلفها الايراني بالثوب الاخواني المصري، بعد وصول رجاله الى الحكم، والتي لم تتوقف، مذذاك، عن إطلاق القرارت والقوانين ضد الشباب والنساء والحياة، تقريبا على الطريقة التركية نفسها: حجاب، اختلاط، فنون…. الخ. كان الصعود الاسلامي بمثابة مجال حيوي جديد يجدد سلطتها على القطاع ويدفعها نحو مزيد من "الأسلمة"… بأي ورطة تكون الآن؟ خصوصاً ان أجنحتها الأكثر عسكرة، أو المنشقين عنها من "جهاديين"، يمكن ان يحركوا مسلحيها في شبه جزيرة سيناء ضد الجيش المصري، تضامناً مع أخوتها المصريين الإخوانيين… فتكون بذلك مسرعة نحو الفشل، هي الأخرى…
تلك هي اللائحة الأولية لإرتدادات الفشل الإخواني المصري…. أما ما يخبئه من ذيول، فلن يكون أقل من كل ذلك.

السابق
بصبوص التقى باولي وبحثا في تفعيل التعاون والتنسيق
التالي
850 عائلة سورية في العرقوب نازحون يعودون الى بلادهم سيرا