نواب دائرة الخطر: نحن كالعصافير

يبرّر البعض، الأداء «الميليشيوي» لمرافقي النائب نديم الجميل في عراكهم مع جمعية «نسوية» قبل أيام في الجميزة، متحدّثين عن فوبيا الاغتيالات التي تُشرعن أي رد فعل أو تصرّف.

هكذا سيكون فلاش الكاميرات كفيلا بإخراج مرافقي نائب مسالم لم يحمل السلاح يوما، من ثيابهم. «بلطجية» الشيخ، كما وصفهم ناشطو المجتمع المدني، تصرّفوا وكأن نائب الأشرفية هو المستهدف الرقم واحد على لائحة الاغتيالات.

من دون مبالغة، يتملّك الرعب بعض شخصيات «قوى 14 آذار». تمويه بوليسي في الاتصالات والتنقلات والمواكبة، تحتّمه دقة وخطورة المرحلة. الشعور نفسه يجتاح عدداً غير قليل من سياسيي في فريق «8 آذار».

الطرفان اذاً في مرمى الاستهداف، لكن مع فارق واحد. نَدبٌ مسبق، ومستمر، من جانب الضحايا المفترضين في «14 آذار» لموت مفترض، بخلاف خصومهم الذين لا يكبّرون حجر الاستهداف الامني المحتمل. يترافق ذلك مع إيحائهم بأنهم لن يخرجوا من دائرة الخطر ما لم تتمّ إزالة سوريا و«حزب الله» من الوجود! يصبح الأمر أكثر سوءا حين تكشف ليلى عبد اللطيف عن آخر تنبؤاتها، متوقعة اغتيالات سياسية قريبا!

ترَاجَع الاستنفار الامني لدى هذه الشخصيات درجات في الفترة الماضية، مقارنة بالمرحلة التي تلت اغتيال اللواء وسام الحسن. طارت «الخيمة» الأمنية الحديدية من فوق الرؤوس، ما استدعى احتياطات أكثر من استثنائية، وصلت الى حدّ حجز فندق قرب مجلس النواب على مدى 34 يوما لأعضاء اللجنة الفرعية للانتخابات، مع مرافقيهم، في كانون الاول من العام الماضي.

لكن لاحقا تحرّر نواب الخوف تدريجياً من عقدة الاغتيال. فشقّت مواكبهم المموّهة ساحة النجمة، مع زملائهم المعنيين بولادة قانون الانتخاب، متجاوزين «عرض الفندق» الذي كلّف «جيبة» رئاسة المجلس رقما دسماً، قيل إنه تجاوز عتبة الـ200 مليون ليرة لبنانية.

مجددا تربّع القلق والرعب وسط النفوس. فكل الهياج المذهبي المتنقّل في المناطق لا بد، باعتقادهم، أن يُترجم اغتيالا بالرصاص أو بعبوة ناسفة أو انفجار. معلومات وزير الداخلية مروان شربل وتأكيداته في هذا الشأن، صبّت الزيت على نار الهواجس. وهذه المرة ذهبت التوقعات نحو مداها الأقصى والأخطر: تفجيرات انتحارية لـ«عرقنة» لبنان.

لذلك قابل النواب، المقهورون والمهدّدون، باستياء كبير، قرار سحب عناصر الحماية الأمنية الفائضة من شخصيات سياسية وأمنية وقضائية واقتصادية.

ولم يكن ينقصهم سوى تطبيق قرار مجلس الوزراء بسحب رخص الزجاج الداكن من يد غير مستحقيها حتى تكتمل معالم الفاجعة. «الفوميه» وجاهة، وايضا حاجب رقيق قد يفصل بلحظة بين الحياة والموت، وكلما توافرت رخصه بين الأيادي كلما انتعشت حظوظ البقاء على المنابر.

لا يكفي أن ينام نواب «دائرة الخطر» على وسادة القرار الدولي بالحفاظ على الاستقرار العام في لبنان، حتى إشعار آخر، حتى تبتعد عنهم كوابيس الاغتيالات. يطلب هؤلاء أن يتفهّم الآخرون الانتفاخ الدائم في حجم مربعاتهم الأمنية، ونداءات الاستغاثة لاصطياد المزيد من عناصر قوى الامن الداخلي لحمايتهم مع عائلاتهم، وطلب البعض مساعدات من متموّلين لشراء سيارات مصفّحة، والتزوّد بأسلحة مرخّصة، وزيادة عناصر المواكبة من شباب الدائرة الانتخابية التي ينتمون اليها…

يعترف «المرعوبون»: «حين تحلّ الفوضى، كما الآن، نتحوّل الى مجرد عصافير!». منسوب الهلع يضرب الرؤوس حين يتذكّر الاعضاء المفترضون على لائحة الاغتيال أنهم «مشاريع شهداء».

من أصل عشرة نواب، يؤكد ثمانية منهم أنهم تلقوا تحذيرات من مسؤول أمني بوجوب أخذ الحيطة والحذر. جملة تتكرّر على الألسن من دون دليل، «لكن الاحتياط واجب». كل التهديدات بالتصفية تؤخذ على محمل الجدّية، حتى تلك التي تصل الى الهواتف الخلوية من أرقام معروفة.

وفي غمرة السيناريوهات السوداوية، تندفع شخصيات سياسية، ضمن المحور المحسوب على الجماعات الأصولية، لقول ما لا تجرؤ عن الإفصاح عنه علناً: «أبشع ما يمكن أن نستورده من الأزمة السورية هو الفكر التكفيري الذي لا يميّز، حين يكبس على زر الموت، بين حليف أو حليف الحليف أو الخصم، ما دام هدفه هو الفتنة والفوضى الخارجة عن السيطرة».

في الاسابيع الماضية، بلغ الاستنفار الامني لدى مرجعيات رئاسية حدّه الاقصى، بعد تأكد المعلومات حول عمليات اغتيال قد تطال رؤوسا كبيرة. لا خروج من الـ«بيت الأمان» إلا عند الضرورة القصوى، وبتكتيك مغاير في المواكبة والتمويه.

على مستوى الصف الثاني، يستطيع نديم الجميل أن يعطي فكرة عن الإجراءات المتخذة من جانب نواب «دائرة الخطر». ولن يقصّر النائب عمار حوري في تحويل نفسه الى «مشروع» شهيد حيّ من خلال تجيير عبوة وضعت في الطريق الجديدة، ضمن مخطّط استهدافه، لمجرد أن سيارته كانت تسلك طريقا محاذيا لمكان الحادث. وسيفرض على بعض اللبنانيين، في الشارع والمطاعم، تحمّل غلاظة مرافقي بعض النواب الذين قد لا يخطرون على بال مُعدّي عبوات الموت.

السابق
ماذا يقصد السنيورة والحريري؟
التالي
حين يقلق المجتمع الدولي علينا