لنحرر الاسرى الفلسطينيين

انتظر كل سكان اسرائيل بفارغ الصبر تحرير الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط. وسنتذكر ابدا الانفعال الصاخب الذي ألم بنا حين رأينا جلعاد لاول مرة عند خروجه من الاسر. فما الفرق بين جلعاد الجندي الذي قاتل الفلسطينيين من أجل شعب اسرائيل، وبين الفلسطينيين الذين تحبسهم اسرائيل ممن قاتلوا من اجل شعبهم، من أجل تحرير وطنهم وضد الاحتلال الاسرائيلي؟ ما الفرق بين الام العبرية التي تنتظر عودة ابنها من الاسر الفلسطيني، والام الفلسطينية التي تنتظر عودة ابنها من الاسر الاسرائيلي؟
ثمة من سيدعي وعن حق بانه لا يمكن القياس بين جنود الجيش الاسرائيلي ذوي ‘الرمز الاخلاقي الاعلى’، ممن لا يقتلون الفلسطينيين بنية مبيتة، وبين ‘الجندي الفلسطيني’ المفعم بشهوة القتل. وسيسألونني كيف يمكنك أن تقيس بين قاتل فلسطيني قتل ابنك اريك، أو ابناءنا، وبين جنود الجيش الاسرائيلي الذين ‘طهارة السلاح’ شمعة تنير لهم الطريق؟ وبالفعل، في اطار ‘طهارة السلاح’ الاسرائيلية قتل اكثر من 1300 قاصر فلسطيني.
فنيا لا فرق بين ‘سجين فلسطيني’ و’أسير فلسطيني’. كلمة سجين معناها شخص مسجون في السجن، وكلمة أسير معناها شخص وقع في الاسر. ولكن الاسير ايضا يمكث في السجن. الفرق الجوهري بين السجن والاسر هو في نية السجن. الاول فعل ما فعله بمبادرته؛ الثاني ارسله ابناء شعبه، او فعل ما فعله من أجل شعب. علينا أن نفهم ان الفلسطينيين يرون في السجين الفلسطيني الذي هو ارهابي في نظرنا بطلا قاتل في سبيل تحرير وطنه. ومثلما فرحنا لتحرير جلعاد شاليط، هكذا الفلسطينيون ايضا يريدون أن يروى تحرير اسراهم.
في نظري قاتل ابني اريك هو ارهابي، ولكن اذا كنت أريد السلام مع الفلسطينيين، فان عليّ أن اقبل قرار حكومة اسرائيل بتحرير قاتل ابني الذي هو مقاتل في نظر أبناء شعبه. فهل من ذبح وقتل بدم بارد ابنائي، او شلهيفت باس الحلوة، هو بالفعل مقاتل حرية أم حيوان بشري؟ هل الانتحاري في الباص او في المطعم الذي قتل مدنيين، بمن في ذلك أطفال، هو مقاتل حرية ومن ساعده هو ايضا مقاتل حرية؟ لا شك، ينبغي أن يكون هناك خط أحمر انساني محظور اجتيازه، ومن يجتازه لا يمكنه أن يعتبر مقاتل حرية. الخط الاحمر يجب أن يكون قتل الاطفال بنية مبيتة، او القتل الوحشي والسادي.
الانتحاري الفلسطيني، بقدر ما يبدو الامر صعبا، هو ايضا ليس سوى ضحية للنزاع. ارادته في زرع الخوف والرعب في اوساط السكان الاسرائيليين ليست سوى رد للخوف الرهيب واساس العجز المطلق الذي يشعر به شعبه في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. لقد لقي الانتحاري الفلسطيني التبجيل في اوساط أبناء شعبه، كمقاتل ضحى بروحه من أجل حرية واستقلال وطنه. وبالنسبة للقتلة الفلسطينيين الساديين، تتراوح مشاعر الجمهور الفلسطيني بين النفور والنبذ لهم، وبين الرغبة في ايلام الاحتلال الاسرائيلي.
لقد حررت اسرائيل الاف الفلسطينيين بعد مساومة عنيدة في صفقات شاليط، تيننباوم وغيرها، بمن في ذلك فلسطينيون يوجد لهم ‘دم على الايدي’ تعبير غبي وعديم المعنى آخر؛ في نظر الفلسطينيين، من بين مواطني اسرائيل بشكل عام وجنود الجيش الاسرائيلي وقادته بشكل خاص لا يوجد لهم ‘دم على الايدي’؟ الجمهور الفلسطيني محبط. من جهة، يريد أن يرى أسراه يتحررون من الاسر الاسرائيلي، بالضبط مثلما اراد الاسرائيليون تحرير جلعاد شاليط، ولكن من جهة اخرى، اسرائيل لا تحرر اسرى/سجناء الا في ‘صفقات’، وبالاساس صفقات مع حماس. لقد تعلم الفلسطينيون بانهم اذا ارادوا انزال اسرائيل على ركبتيها، فان عليهم أن يستخدموا القوة او أن يختطفوا كي يحصلوا. ‘اختطفوا يحصلون’.
نتنياهو (‘اعطوا سيحصلون’) يعزز حماس ويضعف ابو مازن بنية مبيتة: كلما كان الوضع أسوأ للفلسطينيين، هكذا تزداد قوة حماس، والعالم لن يجبر اسرائيل على صنع السلام مع ‘قتلة’. هذه الايام يطلب ابو مازن مثلما كان يطلب منذ سنين تحرير أسرى فلسطينيين. ابو مازن يعرف ان الشعب الفلسطيني سيهتف له على تحرير أسرى، وقوته ومكانته سترتفعان. ولكن نتنياهو ايضا يعرف هذا، ولهذا فسيفعل كل شيء كي يمنعه من أن يحصل على نقاط استحقاق في أوساط ابناء شعبه.
يوم السبت القادم سيكون مر 6.935 يوما (19 سنة) على سقوط اريك ابني في معركة مع حماس، حين اختطف وهو في طريقه الى البيت من القاعدة. اسرائيل تقدس شهداءها، ولكن لاسفي الشديد تفسد سكانها. اذا كان نتنياهو يريد السلام حقا فليتفضل ويحرر أسرى فلسطينيين ليسوا ساديين بدون أي ‘ادارة حسابات’ مزدوجة الاخلاق ومدعية النزاهة.

السابق
انفجار بئر العبد رسالة تخريبية برسم حزب الله؟
التالي
18 جريحا واضرار مادية كبيرة في انفجار بئر العبد