تيارات “المستقبل”

عود على بدء. أخطاء متلاحقة في إدارة الأزمة، والنتيجة نقطة في حساب الخصوم، بدل أن تكون نقاط على حسابهم. الغياب المُستمر؟ من غير الممكن أن يكون عذراً لهذا الواقع الذي يعيشه المستقبل بين قيادييه. هذا التخبط والتناقض في المواقف أبعد من أن يُبرره "الغياب المُستمر" لرئيس سعد الحريري في زمن التطور التكنولوجي، وهو ما يعلمه تماماً رئيس التيار، وهو ما سخّره للبقاء بين جمهوره ولو افتراضياً.

لكن، هذا التطور على ما يبدو، لم يُسخره الحريري للإبقاء على اتصاله وتواصله مع من يدير أمور التيار سياسياً في لبنان. تحديداً مع الرئيس فؤاد السنيورة، أو على الأقل هذا ما تشي به سياسة المستقبل في محطات كثيرة، كان آخرها أحداث عبرا وما سبقها وما تلاها من مواقف، لا تتصل، بل تتناقض، قبل أن تتواجه وتتعارض. يزول موقف، وتتلاشى وعود، على وقع قرارات جديدة، أو تصليحاً لتصريحات متسرعة. النتيجة واحدة، الأزمة عميقة مقارنة مع واقع الحال في بلاد لا حال لها سوى الحذر والخوف.
بعد حادثة عبرا، وما رافقها من مواقف مترددة وحائرة، سارع الحريري إلى إطلاق موقف أبعد مما هو مطلوب. كان أوّل من طالب بالتمديد لقائد الجيش جان قهوجي من دون شروط. اتُفق على جدول أعمال الهيئة العامة، ليتفاجأ الجميع بتراجع المستقبل عن حضور الجلسة لأسباب "دستورية ولها علاقة بالحفاظ على موقع رئاسة الحكومة" كما تقول أوساط الكتلة. لكن هذا ما لم يرق للكثيرين من حلفاء الحريري. هناك أكثر من علامة استفهام يرسمها هؤلاء حول من يدير العملية السياسية داخل التيار.
"كف" مقاطعة الجلسة كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري، تقول مصادر "المستقبل". لكن، من هم في الخندق نفسه مع التيار يقولون عكس ذلك. الأسئلة كثيرة، يغلب عليها الإستغراب والإنتقاد والعتب. أوساط 14 آذار لا تتردد في الحديث عن أن "ما حصل أوحى وكأن في المستقبل أكثر من قرار، وأن المقاطعة كما حصلت أظهرت أن الحريري في وادٍ وكتلته في وادٍ آخر". تقول هذه الأوساط: فجأة انتهت الحملة على الرئيس نجيب ميقاتي وأصبح التيار يمشي على خطاه وقراراته. هذا غريب، ولا يُمكن فهمه. وهذا أيضاً ما يقوله الوسطيون ممن هم قريبون من الحريري وتياره.
هذا، جزء من تراكمات لم تظهر إلا مع حدث عبرا الصاعق. تصريح من هنا هادئ، وآخر من هناك يُصعّد. بيانات كتلة المستقبل العالية النبرة ضد الجيش لم تعكس ما كانت تحاول أن تقوم به النائب بهية الحريري ومعها قيادات التيار في صيدا من تواصل مع الجيش وتهدئة الأجواء مع الصيداويين. مرّة جديدة، الكتلة في وادٍ، وهذه المرّة "الست بهية" في وادٍ آخر. حتى أن الأمور لم تكن بهذه السوداوية التي رسمتها البيانات. بل على العكس، الجيش تعاون "بشكل مقبول نسبياً مع الحريري وأخرج العديد من المعتقلين". المعنيون من قيادات المستقبل في صيدا، لم يترددوا في انتقاد مواقف الكتلة التصعيدية.
وصولاً إلى اجتماع صيدا الأحد، كانت الأمور على حالها من التناقضات الملموسة والمكشوفة. حملت الأمانة العامة لقوى 14 آذار عتادها وارتحلت إلى عاصمة الجنوب، لتعبر من هناك مرّة أخرى نحو الدولة. في الإجتماع، نقاشات كثيرة ووجهات نظر متعارضة. واحدة للتهدئة وأخرى للتصعيد وثالثة للتوازن في الموقف من كل ما حصل. وهكذا كانت الكلمات. السنيورة صعد كثيراً، الحريري هدّأت كثيراً. أمّا بيان 14 آذار، فهو على جاري العادة: منطقة من لبنان "منزوعة السلاح" غير الشرعي. كيف؟ يعلم الله.
في الإجتماع، كانت صريحة بهية الحريري حين قالت إنها "هي من تتعرض للترهيب من قبل حزب الله وعناصره، وهي التي تتواصل مع الجيش وهي أيضاً من تحاول تهدئة الشعار واستيعاب مفاعيل الصدمة وما حصل". قالت الحريري لمن أتى لكي يُحقق مكسباً سياسياً أو ظهوراً إعلامياً، الكثير. فكان البيان النهائي، أقل بكثير من طموح من وضعه قبل الوصول إلى صيدا.
إلى الآن، مع عبرا وقبل عبرا. أكثر من تيار في "المستقبل". هذا جزء وسبب أساسي في تشتته، وفي ضياع شارعه، وفي ما يحصل حتى لقوى 14 آذار مجتمعة، إن بقي منها شيء.

السابق
حين يقلق المجتمع الدولي علينا
التالي
أنفاس نصف النساء تتوقف أثناء النوم