الأدوية المزورة تملأ البلد: حكاية الحقن القاتلة

أطفال ولدوا أيتاماً، توفيت أمهاتهم بعد ولادتهم في عدد من المستشفيات في منطقة البقاع، وكثُر الحديث عن الأسباب، والبعض اعتبرها أخطاء طبية. أمّا النائب السابق الدكتور اسماعيل سكّرية فقد عقد مؤتمراً يشرح فيه أنّ هناك حقناً مزوّرة تستعمل خلال الولادة القيصرية للنساء الحوامل لتخفيف النزيف أثناء العملية هي السبب وراء وفاة الأمهات.
وللحديث عن تفاصيل ما حدث وعن ملفات الصحّة والأدوية المزوّرة والتي تشكّل خطراً على السلامة العامّة للمواطن اللبناني، كان لنا هذا اللقاء مع سكّرية.
يوضح سكريّة " أنّ الأمهات وقد بلغ عددهن "12" إمرأة توفين في 5 مستشفيات وعلى أيدي أطباء عدّيدين. ويقول: "لو حصلت الوفيات في مستشفى واحد لقلنا إن ثمة تقصيرا في التعقيم أو عدم الدقّة، ولو كان الطبيب المشرف واحداً لقلنا إنّ الطبيب مهمل أو ارتكب خطأ، لكن الحادثة تكرّرت خلال أشهر، وبالطريقة عينها". ويبدي أسفه لـ "مسارعة وزارة الصحّة إلى النفي عوض تشكيل لجنة استطلاع وتحقيق". وقيل أن الرقم 25 في كل لبنان مع أن عدد الوفيات في منطقة أقل من 5% من مساحة وسكان لبنان.
ويشرح سكريّة أن "حالات الوفيات حصلت بالطريقة نفسها خلال اجراء عمليّة ولادة قيصريّة". ويضيف: "بعد الجراحة من الطبيعي أن يتم نزف الدم، لذا يبادر الأطبّاء إلى حقن الأم بإبرة تساعد على تقلّص الشرايين ووقف النزيف". ويشير سكريّة إلى أنّ "الدواء الذي استخدمه الأطباء في هذه الحقنة يُدعى "الميثرجين"، معتبراً أن "هذا الدواء قد تمّ سحبه من التداول في الدول المتقدّمة نظراً لانعكاساته السلبيّة، والوكيل الذي يستورده يقول أنّه لم يستورد هذا الدواء من بداية عام 2010، وأنا كنت قد حصَّلت على نسخة لمنظّمة الصحة العالمية تطلب فيه سحب هذا الدواء من الأسواق العالمية قبل عام ونصف".
يشير سكرية "أنا لا أسمّي دواء "الميثرجين "" كمشكلة ولا أهاجمه كدواء "بمبدأ" الدواء بل "شكّيت" هل أنّ مثل هذا الدواء المُستعمل في المستشفيات التي حصلت فيها حالات الوفاة سببه هو " الميثرجين " العالمي أم هو "مزوّر" !!! فليجيبوا.."

مياه وليست ادوية

ويقول "لقد سبق أن فتحت ملف الدواء والصحة منذ أكثر من 17 عاماً من حمل لواء مواجهة الفساد في القطاع الصحي، فتولّدت ثقة عند الناس بمصداقيتي، وهم يتواصلون معي لاطلاعي على كل ما يتعلق بالأدوية سواء المزوّرة أو المسرطنة أو حالات الوفاة المفاجئة كالتي حدثت، فأصبحت هدفاً للشكاوى، وهناك أفراد في مؤسسات صحيّة أستقي منها المعلومات كما يوجد متطوعون ومتطوعات يمدّونني بالمعلومات. وقدّمت أيضاً وثائق ومستندات تؤكد وتدعم اتهاماتي وشكوكي الموجّهة إلى الجهات المعنية، وعزّزتها بتكرار أمثلة عبر سنوات طويلة".
ولفت الى حالات وفاة مشابهة سببها الدواء المزوّر يقول سكرية: "هناك أدوية مسحوبة من التداول العالمي تنزل في سوقنا المحلي، كما ينزل الدواء المزوّر ومجتزأ الفعالية مثل دواء الـ"بلافيكس" الذي بسببه قد قتل شخص في بعلبك وتبيّن أن فعالية الدواء 40% فقط. امرأة أخرى أيضاً كانت مصابة بمرض السرطان في بدايته، وفي مثل حالتها يعيش المريض عشرين عاماً، لكن هي توفيت بعد شهر واحد.. لماذا! كنت قد طلبت منهم وناشدتهم بفحص هذا الدواء الذي يُستعمل في هذه المناطق، لكنهم استندوا على أنّ هذا الدواء مستعمل عالمياً، أنا لا أنفي هذا، لكنّي أسأل لماذا قُتلت المريضة بفترة زمنية قصيرة جداً وكان ينبغي أن تعيش مثل أي حالة أخرى.. لكنهم لم يتجرّأوا على فحص الدواء". فتبين أن الأدوية المستعملة هي مجرد مياه وليست أدوية.

ادوية مزورة
يلفت سكرية إلى "إنّ هناك العديد من الأدوية المزوّرة موجودة في الأسواق، هي مزوّرة من حيث الأصناف والفعالية، بمعنى أن هناك مضادات حيوية وأدوية كثيرة مزوّرة أو وهمية التركيبة. وما نعنيه بكلمة مزوّر، أي أن يكون دواء مُمدّد الصلاحية أو مركباً تركيباً وهمياً، أي أن يكون من "لا شيء" ومعلّباً بعبوات لأسماء أدوية معروفة، ولا يدخله أي مكوّن دوائي، ويربحون أرباح فاحشة فلهذه الصنعة عصابات تقف وراء تهريب وبيع مثل تلك الأدوية".

ادوية السرطان
أمّا أين أصبح القضاء في التحقيق بهذا الملف فيجيب " هذا السؤال يوجّه إلى القضاء ونأمل أن يؤدي الدور المطلوب منه، دون رضوخه لأية ضغوطات سياسية كما حصل في تجارب سابقة. لقد ضمّت المستندات التي قُدّمت إلى القضاء تقارير من قبل التفتيش المركزي تتعلّق بالشكوك والاتهامات التي طرحتها عبر الإعلام، كانت ضد بعض الموظفين في وزارة الصحة بتهمة سحب وتهريب بعض الأدوية من الكرنتينا وحرمان المواطنين والمرضى والعمل على بيعها في السوق السوداء".
مضيفاً "عندما طلب القضاء الاستماع إليَّ كشاهد بعد المؤتمر الصحفي الذي عقدته، أرفقت 35 سؤالاً بالإخبار الذي قدّم، أسئلة تطال الكثير من التجاوزات للقانون، وتضيء على الثغرات في القطاع الصحي. منها: أين أصبح التحقيق بأدوية حرب تموز؟ أين أصبح المختبر المركزي؟ أين الـ 150 سيارة إسعاف التي جاءت خلال حرب تموز؟ أين هو المختبر الطلياني بعد حرب تموز في آواخر آب عام 2006 لفحص التربة والمياه والغذاء في منطقة الجنوب؟ ولماذا الدولة لا تستورد أدوية السرطان والأمراض المستعصية من دولة لدولة وتوفّر 40%، أي بدل أن تكون فاتورة هذا العام 130مليار "حسب قول الوزير"، فتوفّر 52 مليار ليرة على الموازنة العامّة؟ هذه الأسئلة وغيرها أرفقتها بالإخبار المقدّم وطالبت القضاء بإجراء التحقيق فيها".
ولأنّ الإصلاح يبقى مرتبطاً بصناعة ثقافة مواطنيه، وتوعية الناس وإرشادهم ولفت انتباهم لأبسط حقوقهم ولهذا كانت "الهيئة الوطنية الصحية"، يشرح سكّرية هي "هيئة وطنية تضم شخصيات من كافّة المناطق اللبنانية وكلّ الطوائف والمذاهب وجميع المستويات والاختصاصات. أُسّست منذ عشر سنوات وهي نتاج تنادي البعض ممن يؤمنون بثقافة المواطنة والوضع الصحّي بعيداً عن الحسابات السياسية ومتاهاتها، ومن موقع الاحترام لصحّة الناس واحترام الذات وأنّ الصحّة "حق وكرامة" وهو الشعار الذي ترفعه الهيئة الوطنية الصحية. فتشكّلت هذه الهيئة بشكل طبيعي بدون تخطيط مسبق، والباب مفتوح للانتساب. كما أنّنا أنشأنا صفحة للتواصل الاجتماعي لنفس الغاية وبريداً إلكتروني سوف نطلقه قريباً. المهمّة الأساسية لها أنّها ليست جمعية بالمفهوم الروتيني كسائر الجمعيات التي تعمل في الحقل الصحي، بل لها هدف أساسي ومهم هو توعية الناس، فالصحّة حق من حقوقها وجزء من كرامتها وليست منّة أو عملاً خيرياً وتشجيع الناس لرفع الصوت مدنيّاً وديمقراطياً بوجه العبث بصحّتها كما مواجهة الفساد في القطاع الصحّي خارج أي حسابات اجتماعية طائفية سياسية أو مذهبية، أي رفع صوت الحق بوجه الباطل في أخطر مواقعه وهو في صحّة الناس".
  

السابق
خبير عسكري:عبوة الضاحية لا تتجاوز 12 كلغ من “التي ان تي”
التالي
بري: الهدف من هذه الجريمة النكراء هو ايقاع الفتنة بيننا