حزب الله والتيار: قدَر التوافق

إلى أين يمكن أن ينتهي التباين الحالي بين حزب الله والتيار الوطني الحر حول التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي؟ «الى التوافق»، يؤكد مطّلعون على العلاقة بين الطرفين
ببساطة، يمكن اختصار انعكاسات تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ بالمعادلة الآتية: الشيعي الذي يتجوّل في منطقة مسيحية يشعر بأن نصف المحيطين به على الأقل معه سياسياً. والمسيحي الذي يتجوّل في منطقة شيعية يشعر بأن كل من حوله معه في السياسة.
التفاهم الصامد منذ سبعة أعوام باتت له جذوره الراسخة لدى القاعدة الشعبية للطرفين. لا يتردد أحد المطلعين في القول، بثقة، إن هذه القاعدة تسبق مسؤولي الحزب والتيار بأشواط في الحرص على استمرار التفاهم. ويُنقل أن الجنرال ميشال عون سأل أحد زوّاره أخيراً عن كيفية تلقّي القاعدة الشعبية المسيحية للتباين الأخير بين الطرفين، فأجابه الزائر: «قاعدة خصومك شامتة، أما قاعدتك فغير مرتاحة لأي خلاف».
يعترف مطّلعون بأن الفريقين مسؤولان عن سوء التفاهم في إدارة تفاهمهما. فهما لم يعملا على وضع خطط لإدارة هذه العلاقة، بل سقطا ضحية المياومة في التعامل مع الأزمات والقضايا التي يواجهانها. من جهة، هناك شعور لدى بعض العونيين بأن حزب الله، بهمّه الإقليمي، ضيّع علىهم، داخلياً، مكتسبات كان يمكن الحصول عليها لبناء الدولة التي يحلمون بها. ومن جهة أخرى، هناك شعور بأن بين البرتقاليين من لا يريد أن يصدّق بأن أي خسارة إقليمية لن تبقي لأحد دولة تُبنى.
بعض المحيطين بعماد الرابية، وبعضهم وزراء أو نواب أو طامحون أو ممن يخشون على أعمالهم في بعض البلدان العربية والأوروبية، يقتنصون مناسبات الخلاف هذه لـ«الزنّ» على الجنرال بأن العمر الافتراضي للتفاهم قد انتهى.
لكن من يعرفون عقل ميشال عون، كمخطط عسكري واستراتيجي، يدركون بأن الرجل، وإن بدا في أحيان منساقاً خلف «الزنّانين»، يدرك جيداً أن تفاهم مار مخايل إنجاز تاريخي للمسيحيين في لبنان، وهو يتعامل معه على هذا الأساس. كما أن تموضعه منذ 2006 أثبت جدواه، إذ إن المعسكر الذي اندرج في صفوفه ما فتئ يحقق تقدماً بالنقاط من عدوان تموز الى معركة القصير.
عندما يُسأل أي من المسؤولين العاقلين في الطرفين عن الخلاف الحالي يردّ بالتقليل من شأن التباين، رغم تكرره أكثر من مرة، ورغم أنه يبدو هذه المرة أكثر عمقاً. ليس في الأمر تهرّب. يدرك الجميع، لأسباب كُتب عنها الكثير، أن التفاهم بينهما أشبه بقدر، وأن خلافهما، مهما اشتدّ وعلت فيه اللهجة، لن يؤدي إلا الى… التوافق.
لذلك، لا تشعر مصادر مطلعة على العلاقة بين الحزب والتيار بالقلق من سير الأمور. زيارة السفير السعودي علي عواض العسيري الأخيرة للرابية لم تثر هلعاً، بدليل أن كلام الرجل بعد الزيارة لم يكن كما قبلها. المصادر نفسها تدرج الزيارة، التي كانت مقررة سلفاً، في سياق مسعى أميركي بدأ منذ إطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري نهاية عام 2010 لحضّ فريق 14 آذار على استمالة العماد عون لفك تحالفه مع حزب الله، في إطار العمل على تعرية الحزب من تحالفاته الوطنية، تمهيداً لتطويق ما يُصطلح على تسميته «القلعة الشيعية» المتمثلة بالتحالف الثنائي مع حركة أمل، وصولاً الى استمالة الرئيس نبيه بري وكسر هذه الثنائية.
التباين العوني ـــ الحزب اللهي الأخير يبدو أنه أنعش هذه الآمال، فدخلت السعودية على الخط. لكن المصادر نفسها تستبعد نجاح محاولة كهذه، وتذكّر بأن محاولة مماثلة جرت خريف عام 2007، عندما رتّب قائد استخبارات الجيش السابق جورج خوري لقاء بين عون والحريري في باريس، في محاولة أخيرة قبيل انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود لترتيب تفاهم بين الطرفين. يومها عرض عون على الحريري صيغة بشارة الخوري ـــ رياض الصلح (عون للرئاسة والحريري لرئاسة الحكومة)، فرفض «الشيخ سعد» الصيغة التي لم تكن الرياض راضية عنها، معتبرة أن عون ذهب بعيداً في التحالف مع حزب الله وفي خوض تجربة الاعتصام الى جانبه ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. مذ ذاك، يدرك الجنرال أن لا مكان له في المعسكر الآخر إلا ملحقاً بسعد الحريري والسياسة السعودية وهو ما لا يطيقه الرجل وليس من صفاته. تماماً كما تدرك الرياض أن الرجل ليس من صنف الحلفاء المطواعين.
منذ انتهاء معركة القصير والتحوّلات الاستراتيجية التي أفرزتها، يعرف حزب الله تماماً أن المعسكر المعادي لن يوفّر فرصة لحصاره. تلك المعركة وجّهت ضربة قاسية جداً لمشروع كان يراهن على أن تشكّل الساحة السورية، ومعها اللبنانية، تعويضاً للمملكة العربية السعودية عن «العراق المفقود». لذلك لم يكن غريباً أن تتخلّى الدبلوماسية السعودية عن التحفظ الذي لطالما تميّزت به، وأن تعلو النبرة المذهبية في لغتها وتصريحاتها. كما لن تكون غريبة محاولات الاصطياد في مياه العلاقات العكرة مع عون وتهديد لبنانيي الخليج بلقمة عيشهم واستمرار الإشكالات المسلحة المتنقلة في أكثر من منطقة ومواصلة حملة تشويه سمعة الحزب والتحريض عليه دولياً، والتلويح برفض مشاركته في حكومة الرئيس تمّام سلام.
في مواجهة ذلك كله، تؤكّد المصادر المطلعة أن حزب الله لا يشعر بالقلق. «كل هذا جرّبوه سابقاً». سبق أن أُبعد لبنانيون من أكثر من دولة عربية وخيضت حملة تشويه لسمعة الحزب ومذهبته من دون أن يؤثر ذلك في مواقفه. أما دولياً، فقد تبلّغ اللبنانيون أن الدول الغربية مقتنعة بضرورة مشاركة حزب الله في الحكومة حرصاً على الاستقرار، بدليل أن الحكومة لم تؤلَّف بعد، وبأنه لا إجماع أوروبياً على إدراجه على لائحة الإرهاب، وخصوصاً بعدما أبلغت الممثلة السامية للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون الرئيس نجيب ميقاتي أن لا أدلة صلبة تدين الحزب بالتورط في تفجيرات بلغاريا العام الماضي. أما على الصعيد الداخلي، فإن للحزب ثابتة لن يحيد عنها: تحالف لا فكاك عنه مع بري وعون، مهما بلغ التباين بين الحلفاء وحلفاء الحلفاء… وكل ما دون ذلك محكوم بالحل.

السابق
مليون جنيه يعرض غادة لهجوم اخواني
التالي
واكيم: مصر ليست مرشحة لحرب أهلية